للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الكوفى المتوفى سنة ٢٩٠ ونيف بقصد جذب الشباب والمتأدبين إلى دوائر الفصحى. وللغاية نفسها ألف ثعلب كتابه «الفصيح» جامعا فيه كثيرا من الصياغات الفصيحة الناصعة، كما ألف عبد الرحمن بن عيسى الهمذانى المتوفى سنة ٣٢٧ (١) مصنّفه «الألفاظ الكتابية» وهى عقود نظم فيها دررا من الصياغات البليغة الزاخرة بحيوية دافقة: وعلى غرارها ما جمعه قدامة بن جعفر المتوفى سنة ٣٣٧ فى كتابه «جواهر الألفاظ» وبذلك بثّ اللغويون فى نفوس كثيرين مشاركتهم فى تحبيب العربية للناشئة والشباب المتأدبين بوسائل كثيرة. ومنها وسيلة لم نتحدث حتى الآن عنها، ونقصد ما حاوله بعض اللغويين من اتخاذ بعض القصص وسيلة تعليمية، إذ كانوا يقصون بعض حكايات عن الأعراب، مدمجين فيها بعض ألفاظ غريبة كى يسهل على الناشئة حفظها، وممن اشتهر باتخاذ هذه الوسيلة التعليمية ابن دريد إذ ألف أربعين أقصوصة قصيرة-كان يسمى كلا منها حديثا- (٢) لغرض التعليم اللغوى وتبسيطه وتيسيره، وبذلك أوحى لبديع الزمان أن يؤلف فيما بعد مقاماته مبتغيا بها الوجهة التعليمية نفسها.

ومن يرجع إلى كتابنا «المدارس النحوية» يطلع فى وضوح على نشاط النحاة فى العصر، فقد كانت المدرستان البصرية والكوفية قائمتين، وأخذت المدرسة البغدادية طريقها إلى الظهور بأخرة من العصر. وإلى المدرسة البصرية يرجع الفضل فى إقامة صرح النحو العربى بكل ما يتصل به من قواعد، لا فى هذا العصر بل فى العصر السابق له، وخاصة منذ الخليل بن أحمد، فهو الذى صاغه فى صورته العامة المعروفة بأبوابه وعوامله ومعمولاته وكل ما سند بناءه من سماع وتعليل وقياس قويم.

وأتمّ سيبويه صنيعه فى مصنفه «الكتاب» الذى عدّه النحاة آية كبرى لا سابقة لها ولا لاحقة. وخلفه الأخفش الأوسط، ففسح للغات والقراءات الشاذة محتجّا لها ومدافعا دفاعا سديدا. وفى هذه الأثناء استطاع الكسائى وتلميذه الفرّاء أن يشيدا فى الكوفة مدرسة نحوية، تعتمد على صورة النحو البصرى العامة وتستقل بطوابع تميزها، من حيث بسط القياس وقبضه ومن حيث الاتساع فى الرواية ومن


(١) راجع مقدمة الألفاظ الكتابية (طبعة بيروت سنة ١٨٨٥).
(٢) زهر الآداب للحصرى ١/ ٣٠٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>