الموجود الواجب الوجود فى حين أن كل ما عداه ممكن الوجود أو بعبارة أخرى حادث فهو القديم وحده. وصلة هذه الفكرة بالدين الحنيف واضحة، وهو عنده الموجود الأول الفرد بالذات ولا جنس له ولا تركيب فيه ولا يمكن حدّه، إذ هو لا يتحيز فى مكان، وهو أكمل الموجودات ويجب أن تكون معرفتنا به أكمل معرفة. وإذا كانت معرفتنا بالرياضيات أكمل من معرفتنا بالطبيعيات للتعميم السارى فى قضاياها وجب أن تكون معرفتنا به فوق معرفتنا بالرياضيات والطبيعيات جميعا. ويقبس من الفلسفة قبسا يمزجه بقبس آخر من التصوف لعصره، فإذا هو يذهب إلى أن الله يفيض عنه منذ الأزل مثاله وهو العقل الأول الذى يحرّك الفلك الأكبر، وتلى هذا العقل عقول الأفلاك الثمانية، وهى التى تصدر عنها الأجرام السماوية، والعقول التسعة مجتمعة هى ملائكة السماء ومرتبتهم فى الوجود مرتبة ثانية، وفى المرتبة الثالثة العقل الفعّال فى الإنسان وهو روح القدس الذى يصل العالم العلوى بالعالم السفلى.
وفى المرتبة الرابعة النفس الكلية، ومنها ومن العقل تتكاثر أفراد الإنسان. وفى المرتبة الخامسة الصورة. وفى السادسة المادة. والمراتب الثلاث الأولى: الله وعقول الأفلاك والعقل الفعال ليست أجساما، أما المراتب الأخرى فتلابس الأجسام. وواضح الأثر الإسلامى فى هذا التفلسف، فقد ذكر الله وهو العلة الأولى عند الفلاسفة وذكرت الملائكة وروح القدس مع محاولة وضع تفسير جديد لهما. وكان يذهب إلى أن النفس كمال الحسم، أما كمال النفس فهو العقل. . وبحث فى السعادة مبحثا تأثر فيه أيضا بالتصوف تحدث فيه عن شروطها ودرجاتها، وصرّح فى قوة بأن اللذات العقلية والروحية تفوق اللذات المادية الجسمية، وأن السعادة لا تطلب لغاية وراءها وإنما تطلب لذاتها، وأداتها فى رأيه الأفعال والأخلاق الجميلة، وهى لا تدرك إلا إذا تحررت النفس الناطقة من أغلال المادة والشهوات. ويصرّح فى كتابه آراء أهل المدينة الفاضلة بأن الحاكم ينبغى أن يكون متحليا بكل الفضائل الإسلامية والفلسفية متجنبا اللذات الجسمية، إذ فيه تتمثل المدينة بخيرها وشرها، فإذا كان خيرا فاضلا كانت المدينة فاضلة، وإذا كان شرّيرا فاسقا انهارت المدنية وفسد الحكم فيها فسادا شديدا.
وهو يذكر النبوة كثيرا، وهى عنده أعلى مرتبة يبلغها الإنسان فى العلم والعمل، وهو يضعها-كى يوضحها-فى مرتبة وسطى بين الإدراك الحسى