للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مواقعها ومستقرها من السجع الرائع الذى لا تطول عباراته، فإذا الكلمات وكأنها تتلاقى وتتعانق لجمالها فى الجرس وحسن الأداء. ويورد العماد فى الخريدة مراسلة بين القاضى الفاضل وزير صلاح الدين وكاتبه وبين أسامة بن منقذ، ويذكر أولا كتاب القاضى الفاضل ثم يذكر جواب أسامة، وله يقول من رسالة طويلة مادحا مثنيا على بلاغته، متحدثا عنه بضمير الغيبة (١):

«ما عسى أن يقول مطريه ومادحه والفضل نغبة من بحره الزاخر، وقطرة من سحابه الماطر، تفرّد به فما له فيه من نظير، وسبق من تقدّمه فى زمانه الأخير، فتق عن البلاغة أكماما تزينت الدنيا منها بالأعاجيب، وأتى بآيات فصاحة كادت أن تتلى فى المحاريب، إذا استنطقت ازدحمت عليها العقول والأسماع، ووقع على الإقرار بإعجازها الاتفاق والإجماع. . هو سحر لكنه حلال، ودرّ إلا أن بحره حلّو سلسال».

ونمضى إلى أيام المماليك ويلقانا الشهاب محمود رئيس ديوان إنشائهم فى دمشق والقاهرة وقد ترجمنا له بين شعراء المديح، وله-كما أسلفنا-كتاب فى رسوم الكتابة الديوانية، وبه كثير من رسائله الرسمية، وبعض رسائله الشخصية أو الإخوانية، سماه «حسن التوسل إلى صناعة الترسل» وله بجانبه كتاب ثان سقط من يد الزمن سماه «زهر الربيع فى الترسل البديع» وعنه ينقل كثيرا القلقشندى فى الجزء التاسع من صبحه، ومما نقله عنه رسالة فى التهنئة بعيد الأضحى جاء فيها (٢):

«جعله الله أبرك الأعياد وأسعدها وأيمن الأيام وأمجدها، وأجمل الأوقات وألذّها وأرغدها ولا برح مسرورا مستبشرا، منصورا على الأعداء مقتدرا، مسعودا محمودا، معانا بملائكة السماء معضودا، مهنّأ بالسعود الجديدة والجدود السعيدة، والقوة والناصر، والعمر الطويل الوافر. .

ألبسه الله من السعادة أجمل حلّة، ومنحه من المكارم أحسن خلّة».

وكان الشهاب محمود يعنى بتزيين سجعاته بمحسنات البديع وألوانه الزاهية من جناس وغير جناس، وكان يشغف شغفا شديدا بصور الجناس المعكوس كما نرى فى قوله: «مهنّأ بالسعود الجديدة والجدود السعيدة».

ونلتقى بعمر بن الوردى وكان شاعرا وأديبا كاتبا، وله تعزية بوفاة الفقيه الشافعى شرف الدين البارزى المتوفى سنة ٧٣٨، وفيها يقول (٣):


(١) الخريدة (قسم الشام) ١/ ٥٤١
(٢) صبح الأعشى ٩/ ٤٦
(٣) انظر ديوان عمر بن الوردى، طبع الجوائب فى مجموعة سنة ١٣٠٠ هـ‍ ص ١٦٣

<<  <  ج: ص:  >  >>