للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واختفت بعد ما تجلّت، وألقت على البطاح ما فيها وتخلّت، ثم قالت: يا ذوات الأطواق، البائحات بالأشواق، المفتخرات على الأدواح، بالغدو والرواح، بكاءكن كذب، ونوحكن لعب. . ما الفضل إلا لمن أحيا الأرض بعد أن كاد زرعها يهيج ف‍ (اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج) فقلائدها مدبّجة، ورءوس أشجارها متوّجة، ولولاى لم يكن لكن مرعى، ولا مسرح فى الأرض ولا مسعى. . وطلعت الغزالة، وهى فى مشيها مختالة. وقالت: أعمال كسراب، وعارض منجاب، إذا طلعت عليه الشمس ذاب، ألم تعلموا أنى يوح (١)، أغدو فى مصالح العالم وأروح، ولولاى ما جرت الأنهار، ولا تفتّقت الأزهار». ويقول الراوى: إن جامع هذه الفضائل وإمامها عالم المسلمين. . محمد بن أبى بكر صاحب الدلاء الكريم الجواد، ويقول بعد التنويه بفضائله إنه وقع التسليم بمناقبه ومناقب أبيه البكرية، فطاف بالروض طواف الوداع عازما على أن يخدم جنابه بهذه الفكاهة.

وإنما أكثرت الاقتباس من هذه المقامة لأدل بوضوح على روعة ما جلبه فيها المكلاتى من أشعار وإبداعه فى نثرها المسجوع سجعا يكتظ بالعذوبة مع مابثه فيه من ألفاظ قرآنية بديعة من مثل آية آل عمران: {وَاُذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيراً وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ} وآية سورة الانشقاق فى وصف الأرض: {وَأَلْقَتْ ما فِيها وَتَخَلَّتْ} وآية سورة الحج: {وَتَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اِهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ}.

ونمضى إلى عصر الدولة العلوية وعهد سلطانها إسماعيل وما كان فيه من نهضة أدبية واشتهر بين الأدباء حينئذ محمد بن الطيب العلمى المتوفى سنة ١١٣٤ للهجرة وسنفرد له ترجمة بين كبار الكتاب، وكان يعاصره محمد المسناوى الدلائى المتوفى بعده بعامين سنة ١١٣٦ هـ‍/ ١٧٢٤ م وله مقامة سماها المقامة الفكرية يبكى فيها زاوية الدلاء حين هاجمها وخرّبها السلطان إسماعيل العلوى، وهو يطيل الحديث عن متنزهاتها ورياضها وأنهارها التى كانت تملأ بطاحها وتلالها، ويشعر بحزن عميق حين يراها تحولت أطلالا عافية، يقول (٢):

«منازلها خاوية، والذئاب فى أرجائها عاوية، وليس بها إلا الغربان واليوم، والحمائم تنوح فى أطلالها وتحوم، فخرجت منها ودموعى نهر غزير، بقلب كسير».

ونلتقى أخيرا بمحمد بن إدريس وزير السلطان عبد الرحمن العلوى المتوفى سنة ١٢٦٤ هـ‍/١٨٤٧ م وله مقامة يصف فيها حملة لتأديب إحدى القبائل، ويصور مسيرتها بين الزروع والرياض، وينسب الحديث فيها إلى نصر بن كرامة، وفيها يقول (٣):


(١) يوح: اسم للشمس.
(٢) انظر الحياة الأدبية فى المغرب على عهد الدولة العلوية للدكتور محمد الأخضر ص ١٩٩.
(٣) انظر المقامة فى النبوغ المغربى ٢/ ٢٤٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>