للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ألم تسمع ما قيل، مما سيلقى عليك القول الثقيل:

من فضّل النرجس فهو الذى ... يرضى بحكم الورد إذ يرأس

أما ترى الورد غدا قاعدا ... وقام فى خدمته النّرجس

أنا مشرّف الربيع. ومظهر ما له من البديع، أنعش الأرواح، وأنا عروس الأفراح، نوافح ذكية (١)، وروائح شذية (٢)، أبديت ألوانا لأهل الأدب، يقضون لها بالعجب، فمنىّ الأبيض والأسود الحالك، ومنى وراء ذلك: أصفر فاقع، وما نصفه قان (٣) ونصفه ناصع، وبالهند منى شجر يخرج وردا عليه مكتوب: لا إله إلا الله محمد رسول الله، فأنا للرياحين ملك ملوكها، ووسط عقودها وسلوكها:

فمن ذا يضاهينى بوصف فضيلة ... وفضلى على كل الرياحين ظاهر

زمانى على الأزمان بى متشرّف ... وفخرى لمن يبغى التفاخر قاهر

وفخر الورد بديع، وقد أنشد فيه المكلاتى ما أثر من الأشعار التى تثنى على الورد وتفضله على النرجس بل على جميع الأزهار. ونثر الفخر بل نثر المقامة جميعها بديع إذ كان يعرف المكلاتى كيف ينتخب ألفاظه وكيف يقابل بين سجعاته بألفاظ مألوفة ليس فيها غريب ولا شاذ نادر. وكانت تستمع إلى هذا الحوار حمامة مطوّقة، فأقبلت على الأزهار مفاخرة بدورها، تقول:

«فناحت بشجنها، وتكلمت على فننها، وقالت: كلّ يحاول جهده، ويقول بما عنده، إلىّ لا لكم الفخار، وأنتم لنا أعشاش وأوكار، وفروعكم لخطبائنا منابر، ولقياننا ستائر، أليس رءوسكم لأقدامنا خاضعة، ولنا كلما نزلنا ساجدة وراكعة، وإنا على ما زعمتم بنا من الجوى (٤) وتباريحه، آخذون فى ذكر الله وتسبيحه، شغلنا بذلك فى الأسحار، والعشىّ والإبكار. . . ونشأت غمامة تصافح أهدابها الأرض، وتسد الآفاق على الطول والعرض، يحدوها الرعد، ويستنجز منها الوعد (وينشد):

وكأن صوت الرعد خلف سحابة ... حاد إذا ونت الركائب صاحا

أخفى مسالكها الظلام فأوقدت ... من برقها كى تهتدى مصباحا

جادت على التّلعات فاكتست الرّبى ... حللا أقام لها الربيع وشاحا (٥)

فنثرت بالأرض جواهر تغار منها البحور، وتزدان بها من أجياد الأزهار اللبّات والنحور،


(١) ذكية: ساطعة.
(٢) شذية: عطرة نسبة إلى الشذى.
(٣) قان: شديد الاحمرار.
(٤) الجوى: الوجد.
(٥) التلعات جمع تلعة: ما ارتفع من الأرض. الوشاح: شريط عريض مرصع بالجوهر.

<<  <  ج: ص:  >  >>