للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مساويء لغرض الإفحام والغلبة. ويمكن أن نعد من هذا النوع مقامة محمد بن أحمد المكلاتى التى كتبها فى أواخر العصر السعدى تحية لمحمد بن أبى بكر صاحب الزاوية الدلائية، وسماها: «المقامة (١) الزهرية فى مدح المكارم البكرية» ويجعلها على لسان شخص يسمى «بسّام» يقول إنهم نزلوا روضا بهيا وأمطرتهم السماء مطرا باتوا فيه، واستيقظ فى السحر بين الضياء والغبش، وخال كأن وجوه الروض تسيل دما، وتوهّمه من بقايا الشفق أسفر عنه ضوء الصباح، وناداه أنا أخو الرياض الشقيق كم كسوته جمالا. يقصد أن ما يراه ويظنه دما إنما هو زهر شقائق النعمان. ويأخذ فى الافتخار بحسنه، ويجاذبه الفخر زهر النمام فعود البان الذى طالما وصف الشعراء بقدّه قدود محبوباتهن الحسان، والنرجس يقول لغصن البان مفاخرا وواصفا نفسه:

«أما راقك الياقوت الأصفر، وسط الدر الأبيض، على الزمرد الأخضر. . شموا النرجس، ولو يوما فى السنة، فأنا غذاء الروح، لمن يغدو عنى ويروح، لطيف المزاج، أصلح للعلاج، وأزيل من الدماغ مضرّة دخان السراج، وأخفّ على العشّاق، يوم التلاق، وينشد قول بعض الشعراء:

وإذا قضيت لنا بعين مراقب ... يا ربّ فلتك من عيون النرجس

ويعترض زهر البنفسج ثائرا مفاخرا، وقائلا له: لا يسلم لك فخر إلا على الورد فما لأمرك عليه من ردّ، وينشد قول ابن الرومى فى تفضيل النرجس على الورد:

خجلت خدود الورد من تفضيله ... خجلا تورّدها عليه شاهد

للنّرجس الفضل المبين وإن أبى ... آب وحاد عن الحقيقة جاحد

وما يلبث أن يدخل الورد فى المعركة للرد على ابن الرومى ومن فضلوا عليه النرجس، يقول المكلاتى:

وتدخّل البنفسج «فأقبل الورد فى جنوده، ناشرا لراياته وبنوده، محمرّ الوجنات، منكرا على البنفسج ما جاء به من التّرهات:

ولقد رأيت الورد يلطم خدّه ... ويقول وهو على البنفسج يحنق

لا تقربوه وإن تضوّع نشره ... من بينكم فهو العدوّ الأزرق (٢)

وكيف يفخر النّرجس من بين الرياحين، على نخبة الملوك والسلاطين:

إن كنت تنكر ما ذكرنا بعد ما ... وضحت عليه دلائل وشواهد

فانظر إلى المصفرّ لونا منهما ... وافهم فما يصفرّ إلا الحاسد


(١) انظر فى هذه المقامة النبوغ المغربى ٢/ ٢٠٨.
(٢) تضوّع نشره: فاحت رائحته.

<<  <  ج: ص:  >  >>