صلته بمصر. ودفعه-فيما بعد-أبو القاسم المغربى حين فرّ من مصر على أن يطلب الخلافة لنفسه، فخطب باسمه، وتلقب بالراشد بالله، وسار إلى مدينة الرملة بفلسطين، وعاهده أميرها وأمير طيئ حسان بن مفرّج على نصرته. وعلم بذلك الحاكم فأرسل إلى ابن مفرّج بالأموال، فنفض يده من أبى الفتوح وأسلمه إلى المصريين، وفرّ أبو القاسم المغربى إلى العراق. واضطرّ أبو الفتوح أن يعلن طاعته للحاكم، فعفا عنه وعاد إلى إمارته. وحدث بعد عودته فى سنة ٤١٣ أن ضرب رجل من شيعة الفاطميين فى أثناء الحج الحجر الأسود بدبوس، فصدعه وهو يقول: إلى متى تعبد؟ إلى كم تقبّل؟ وبادر الناس إليه فقتلوه هو ونفرا من أصحابه. وما زال أبو الفتوح يلى مكة حتى سنة ٤٣٠ وخلفه ابنه شكر على إمارته، وأضاف إليها المدينة لمدة ثلاث وعشرين سنة كان يجمع فيها بين الحرمين إلى أن توفى سنة ٤٥٣ وكان فارسا وأديبا شاعرا، وله قصة ترويها كتب التاريخ عن زواجه من جارية هلالية تسمى الجازية، وهى نواة قصص أبى زيد الهلالى. وبشكر انقرضت سلالته وحكمها فى مكة إذ لم يعقب ولدا، وصار أمرها بعده إلى عبد له، غير أن فرعا من الأسرة الحسنية من بنى هاشم أو الهواشم تغلب على هذا العبد واضطر بنى سليمان إلى الهجرة من مكة إلى شمالىّ اليمن، فأسسوا لهم إمارة هناك فى المخلاف السليمانى المنسوب إليهم. وكان أحد الهاشميين، وهو محمد بن جعفر قد تولى أمر مكة بمساعدة الصّليحى أمير اليمن سنة ٤٥٤ ويقول المؤرخون إنه كان تارة يجعل الخطبة فى الموسم باسم الخلفاء الفاطميين وتارة باسم الخلفاء العباسيين، تبعا لما كان يغدق عليه من أموال وفيرة من بغداد أو القاهرة، إذ كان كل من الجانبين يكثر من إرسال الميرة والأموال إليه. واستطاع أن يجمع فى ظل حكمه الحرمين وأن تكون له الإمارة على مكة والمدينة وقراهما، وبذلك اجتمع له الحجاز. وولى بعده ابنه القاسم سنة ٤٨٧ حتى سنة ٥١٨ وكانت الخطبة فى عهده تارة تكون باسم الفاطميين، وتارة باسم العباسيين. ويخلفه ابنه أبو فليتة، فيجعل الخطبة باسم العباسيين حتى وفاته سنة ٥٢٧. واتصلت الخطبة باسم بنى العباس فى عهد ابنه القاسم حتى قتل سنة ٥٥٦. وخلفه ابنه عيسى، وفى عهده انتهت دولة الفاطميين وحكم مصر صلاح الدين واستولى على الحجاز ومدينتيه: مكة والمدينة، ثم استولى على اليمن. ويظل أبناء عيسى يلون مكة، فيخلفه ابنه داود سنة ٥٧٠ وفى عهده يبطل صلاح الدين المكوس التى كانت تؤخذ من الحجاج بجدة، ويعوّضه عنها فى كل سنة ثمانية آلاف أردب قمحا، ويرسل صلاح الدين مثل ذلك إلى أهل الحرمين. ويدخل سيف الدين طغتكين الأيوبى مكة سنة ٥٨٢ ويبطل فيها الأذان بحىّ على خير العمل، عملا بأذان أهل السنة أو الجماعة.