للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان مثقفا ثقافة أدبية وبلاغية علمية كما يتبين من وضعه لكتاب سر الفصاحة، وهو كتاب نفيس. وديوانه مطبوع قديما، ويكثر الرثاء فيه وهو يفتتحه بمرثية فى الكاتب على بن محمد بن عيسى العمرى، وكان عطية بن صالح يضطغن عليه لوقوفه مع محمود بن نصر فى حصاره لحلب فقتله وصلبه، وفى رثاء ابن سنان له يقول:

ومعذّل جار على غلوائه ... يروى حديث نداه عن أعدائه

عجلت عليه يد الحمام وعوده ... ريّان من خمر الشباب ومائه

عجبا لحدّ السيف كيف أصابه ... ومضاؤه فى الرّوع دون مضائه

ولمصعب ملأ الزمان هديره ... قادوه بعد شماسه وإبائه

إن يرفعوه فقد غنوا بعلائه ... أو يشهروه فقد كفوا بثنائه

وابن سنان يؤبّن صديقه تأبينا حزينا قائلا: إنه كان بحرا فياضا فى الجود وطالما كان الناس يلومونه ويروون أحاديث كرمه الذى شهد به أعداؤه. ويقول إن الموت اختطفه شابا غضا نضرا، ويعجب كيف أصابه السيف وعزمه فى الحرب وسفك الدماء أقوى من عزمه. وقد كان صعب القياد يهدر هدير الفحول ويزأر زئير الأسود. ويقول إن كانوا قد رفعوه فى الصلب، فقد أغناهم علاؤه فى السماكين، وإن كانوا قد شهّروا به فقد امتلأت الدنيا بالثناء عليه.

وقال يرثى جماعة من أهله وأصدقائه:

أيّها الظاعنون لا زال للغي‍ ... ث رواح عليكم وبكور

لست أرضى بالدمع فيكم فهل يم‍ ... لك رىّ البحور إلا البحور

قد رأينا دياركم وعليها ... أثر من عفاتكم مهجور

عرصات كأنهن ليال ... فارقتها عند الكمال البدور

بان ذلّ الأسى عليها فللغي‍ ... ث بكاء وللنسيم زفير

يا نجوم العلا غربتم وما فى اللّ‍ ... يل من بعدكم نجوم تغور

وهو يدعو لأجداثهم أن تظل تمطرها السحب فى البكور والرواح بل حرىّ أن تروى البحور من فيها من بحور الكرم. ويقول إنه مرّ بالديار فرأى آثار العفاة أو طلاب النوال قد هجرت منذ مات أصحابها، وقد أظلمت عرصاتها وساحاتها بمغيب بدورها، وبدا ذل الأسى والحزن عليها

<<  <  ج: ص:  >  >>