مصر فى أوائل العقد الرابع من القرن السابع، يقول:«اجتمعت به وهو يتولى لسلطان مصر معدن الزمرد، فأبصرت شخصا مجسدا من الفضائل معنونا عن بيته-إذ ينسب إلى شاور وزير العاضد الخليفة الفاطمى-بما يبدو عليه من كرم الشمائل» وصنف كتابا سماه «منازل الأحباب ومنازه الألباب». وفى شعره ومنزلته الشعرية يقول ابن سعيد:«هو عندى من أفراد شعراء العصر المتغلغلين فى الغوص على المعانى الحائزين من غايات الإحسان ما يقصر فى إطرابه عنه المثالث والمثانى» ويقول ابن شاكر: «شعره جيد عذب منسجم فيه التورية الرائعة اللائقة المتمكنة. وهو أحد فرسان تلك الحلبة الذين كانوا من شعراء مصر فى ذلك العصر، ومقاطيعه جيدة إلى الغاية». وابن شاكر يقصد بالحلبة السراج الوراق والجزار والحمامى الذين كانت أسماؤهم على كل لسان لخفة روحهم وكثرة ما كانوا ينظمونه من التوريات، وكان ابن النقيب على شاكلتهم يكثر منها ومن طريف تورياته:
أنا العذرىّ فاعذرنى وسامح ... وجرّ علىّ بالإحسان ذيلا
ولما صرت كالمجنون عشقا ... كتمت زيارتى وأتيت ليلا
وكلمة «ليلا» فى نهاية البيت الثانى لا يريد بها الليل الحقيقى إذ جاء بها تورية عن صاحبته «ليلى». وهى تورية تدل على ما وراءها من سرعة بديهته، ورقة حسّه، وله غزل بديع سننشد منه قطعة فى حديثنا عن شعراء الغزل. وله محاورات كثيرة مع من سميناهم من الشعراء، وكتب إليه ابن سعيد ببيتيه اللذين أنشدناهما فى غير هذا الموضع، وهما:
أيا ساكنى مصر غدا النيل جاركم ... فأكسبكم تلك الحلاوة فى الشّعر
وكان بتلك الأرض سحر وما بقى ... سوى أثر يبدو على النظم والنّثر
وأجابه ابن النقيب من قطعة كتب بها إليه متواضعا:
ولا تطلبن سحر البيان بأرضنا ... فكم فيه موسى مبطل آية السّحر
ولا رقّة الشعر الذى كان أولا ... وكيف رقيق الشّعر مع قسوة الدهر
وإنما ذكرنا هذه الإجابة لما فيها من شكوى الدهر وقسوته، منذ الثلاثينيات من عمره، ولا ندرى هل ظل موظفا بالدواوين فى عهد المماليك أو أنه آثر العزلة مكتفيا بما ورثه عن آبائه؟ .
وأكبر الظن أنه ظل متصلا بالمماليك ودواوين الدولة، يدل على ذلك ما رواه ابن تغرى بردى،