الحظ من الإكرام والإنعام، مجاب إلى مقترحه من الصّلات الجسام. . وكان طول عمره يتحكم على وزراء الوقت ورؤساء العصر. تحكم الصبى على أهله، ويعيش فى أكنافهم عيشة راضية، ويستثمر نعمة صافية ضافية». وإلى ذلك يشير فى شعره مرارا، وأنه بناه على التماجن والفحش للتفكه والدعابة طلبا للكسب به، يقول:
لو جدّ شعرى رأيت فيه ... كواكب الليل كيف تسرى
وإنما هزله مجون ... يمشى به فى المعاش أمرى
وقد عاش عيشة رفه ويسار حتى توفى سنة ٣٩١. وكان يكثر من نظم هذا الشعر الماجن حتى قالوا إن ديوانه يبلغ عشرة مجلدات، وكان يباع فى حياته بخمسين دينارا إلى سبعين، ولكثرة ما ملأه به من ذكر العورات والمقاذر قال فيه ابن سكرة الماجن حين سئل عن قيمته إن «قيمته بربخ» أى بالوعة تحمل القاذورات وما ينضاف إليها. وإذا كان هذا حكم ابن سكرة فما بالنا بحكم الناس وراءه فى عصره وبعد عصره، وقد دعا بعض أصحاب الحسبة فى كتبهم إلى منع الغلمان والصبيان من حفظ أشعاره وأخذهم بالضرب إن هم حاولوا ذلك. وينبغى أن نشير إلى ما ذكره أبو حيان من أنه كان فيه وقار يخالف هذا الإغراق فى التماجن، وكأنه كان تماجنا مقصودا به إلى الإضحاك: إضحاك الرؤساء والكبراء، غير أنه تجاوز فيه حده. وكان حسبه ما لديه من القدرة على الفكاهة ليضحك الناس دون التردّى فى بالوعات الفحش وقاذوراته، ويصور تماجنه من بعض الوجوه قوله فى مديحه لبختيار الحاكم البويهى لبغداد فى عصره:
فديت وجه الأمير من قمر ... يجلو القذى نوره عن البصر
فديت من وجهه يشكّكنى ... فى أنّه من سلالة البشر
إن زليخا لو أبصرتك لما ... ملّت إلى الحشر لذّة النظر
ويستمر فى مثل هذا التماجن. وهو لا يطيق الصبر حتى مع بختيار فى تماجنه، إذ يمضى فيلطخ المدحة فى أواخرها بشئ من قاذوراته. وكان شيعا إماميا، وكان يشوب تشيعه أحيانا بشئ من الغلو، وكان قريبا من نفس الشريف الرضى، فاختار من شعره قطعة تخلو من قذره وسخفه. ورثاه حين توفى رثاء حارا، ومن خمرياته التى تخلو من فحشه وبذاءته قوله:
يا صاحبىّ استيقظا من رقدة ... تزرى على عقل اللبيب الأكيس