مكتبات خاصة مثل أحمد بن على بن حميد وكان أبوه من وزراء الأغالبة، وشغف بجمع الكتب، وبيعت مكتبته بعد وفاته بألف ومائتى دينار، وشغف عبد الله بن أبى هاشم التجيبى المتوفى سنة ٣٤٦ للهجرة بنسخ الكتب وجمعها، فلما توفى بلغ وزن ما عنده من الكتب سبعة قناطير جميعها بخطّه ما عدا كتابين. وكثير من العلماء كانوا يحرصون على جمع الكتب وتكوين مكتبات لهم كبيرة، منهم الطبيب أحمد بن الجزار المتوفى بالقيروان سنة ٣٦٩ هـ/٩٧٩ م كانت له مكتبة ضخمة، إذ يقول ابن جلجل الأندلسى فى كتابه طبقات الأطباء: إن وزن كتبه التى خلّفها بلغ عشرين قنطارا. ويروى أن المعز بن باديس (٤٠٦ - ٤٥٤ هـ) أشفق على أبى بكر عتيق السوسى الفقيه الحافظ الورع حين علم بضيق ذات يده مما لا يمكّنه من اقتناء الكتب، فأرسل إليه-كما فى كتاب معالم الإيمان-مجموعة كبيرة من أمهات كتب العلوم الدينية حملها إليه عشرون حمّالا، ومعها رسالة رقيقة يقول له فيها:«هذه كتب فى خزائننا ضائعة. وبقاؤها عندنا مما يزيدها ضياعا، وأنت أولى بامتلاكها للانتفاع بها» فالتمس الشيخ أن يكتب على كل جزء منها أنه موقوف على طلبة العلم، وأودعت جميعا بمكتبة جامع عقبة بالقيروان لينتفع بها الشيوخ والطلاب.
ولم تلبث سيول الأعراب الجارفة من بنى سليم وهلال أن اكتسحت القيروان بأخرة من أيام المعز بن باديس سنة ٤٤٩ هـ/١٠٥٨ م وتوقفت بالقيروان الحركة العلمية المزدهرة، وحاول على بن يحيى حفيد المعز الصنهاجى (٥٠٩ - ٥١٥ هـ) أن يستردّ المجد العلمى لإفريقية التونسية أو شيئا منه، فأنشأ بالمهدية مدرسة للكيمياء، كما مرّ بنا، وألحق بها مكتبة، غير أنها لم تمكث سوى نحو ربع قرن. وظلت إفريقية التونسية مضطربة نحو قرن نهب فيه-أوضاع-كثير من الكتب النفيسة التى كانت مودعة فى جامعى القيروان والزيتونة، حتى إذا كان عهد الدولة الحفصية وأخذ مؤسسها يستردّ للبلاد ما كان بها من نهضة علمية أسّس فى القصبة بعاصمة تونس مكتبة ضخمة جمع لها بقايا مكتبات الأغالبة والصنهاجيين، وأضاف إلى ذلك كثيرا من الكتب والمؤلفات ويقال إنها كانت تحتوى ستة وثلاثين ألف مجلد، وظل خلفاؤه يعنون بجمع الكتب لها، وظل الشيوخ والطلاب ينتفعون بكتبها طوال أيام الدولة الحفصية، وكان بها كتب نفيسة كثيرة، حتى لنرى ابن خلدون يذكر أنه بعد تأليفه لمقدمته بقلعة أبى سلامة فى الجزائر احتاج إلى مراجعة بعض أمهات الكتب، فولّى وجهه إلى تونس ليطلع على ما يريد منها فى المكتبة الحفصية.
واشتهر السلطان أبو فارس عبد العزيز أنه حين صار إليه صولجان الحكم سنة ٧٩٦ هـ/١٣٠٤ م عنى بتأسيس مكتبة تحت الصومعة بجامع الزيتونة وقف كتبها على طلبة العلم، وجعل لها وقتا محدودا للاطلاع فيها كل يوم وجعل عليها قومة ومناولين يناولون الكتب للطلبة ويردّونها إلى مكانها بعد فراغهم منها، واشترط فى وقفيته أن لا يعار منها كتب فى الخارج محافظة عليها وصيانة، وعنى بعده السلطان أبو عبد الله محمد بن الحسن بتأسيسه لمكتبة بنى لها مقصورة بطرف