علمه، وهو الذى ألف بين الطب والفلسفة بديار المغرب». وواضح أنهم جمعوا له بين الطب والصيدلة والفلسفة وعلوم الطبيعة، وهو-بحق-مؤسس مدرسة الطب وعلوم الأوائل بإفريقية التونسية، وممن تتلمذوا له فى الطب محمد بن الجزار وزياد بن خلفون، وفى الطب والفلسفة إسحاق بن سليمان الإسرائيلى، وفى الفلسفة أبو سعيد الصيقلى، وألف مجموعة من الكتب فى الطب وغيره، لم يبق منها إلى اليوم سوى كتابه: الماليخوليا وفى مكتبة ميونخ مخطوطة منه، ويقول ابن جلجل فى هذا الكتاب:«لم يسبق إسحاق بن عمران إلى مثله، توفى سنة ٢٩٥ هـ/٩٠٧ م. وكان يعاصره ويعمل معه فى بيت الحكمة فلكى من مواليد القيروان هو إسماعيل بن يوسف، رحل إلى العراق ودرس هناك علم الفلك والتنجيم، ويقول الزبيدى:
«كان غاية فى علم النجامة» وحذق فى بغداد صنعة الطلاء المتصلة بتجميل وجوه النساء وأبدانها وتطريتها بصنوف من الطيب والعقاقير، وهو ما يسمى عند الغربيين باسم «الماكياج»، ولعلمه بهذا الطلاء والفلك اشتهر باسم الطلاء المنجم، وكان يشتغل فى بيت الحكمة بالفلك والرياضيات، ولما غلب الفاطميون على القيروان غادرها إلى قرطبة. وهو دليل على أن بيت الحكمة فى رقادة كما كان يعنى بالطب كان يعنى بالرياضيات، ونفس المشرف عليه وهو أبو اليسر رئيس دواوين إبراهيم الثانى الأغلبى كان يعرف بلقب الرياضى مما يدل على علمه بالرياضيات، ولا بد أن كان البيت يعنى أيضا بالكيمياء والطبيعيات وأيضا بالفلسفة، فقد وضع إسحاق بن عمران فيه أساس الدراسات فى كل ذلك.
ومن الأطباء الذين لمع اسمهم أيام إبراهيم الثانى الأغلبى زياد بن خلفون، وكان طبيبا فى دمنة (مارستان) القيروان، وكان يذهب إليها فى أيام معينة من الأسبوع لزيارة من بها من المرضى، وكان يزور أيضا دار الجذماء لرؤية المصابين والكشف عليهم وتتبّع مسيرة مرضهم، توفى سنة ٣٠٨ هـ/٩٢٠ م. وفى سنة ٢٩٢ هـ/٩٠٤ م جلب أحد رسل زيادة الله الأصغر إليه طبيبا يهوديّا ناشئا من مصر يسمى إسحاق بن سليمان الإسرائيلى، تتلمذ لإسحق بن عمران فى بيت الحكمة حتى إذا توفى خلفه فيه، وسرعان ما انتهت دولة الأغالبة فخدم العبيديين منذ خليفتهم المهدى إلى المعز، ويقول فيه ابن جلجل:«كان مشهورا بالحذق والمعرفة، جيد التصنيف بالعربية بصيرا بالمنطق يعنى بالفلسفة متصرفا فى ضروب المعارف»، وعمّر حتى بلغ المائة، وتوفى حول منتصف القرن الرابع، وأسند إليه يهود إفريقية رياستهم الدينية، وله مؤلفات فى الطب بالعربية وترجمت سريعا إلى العبرية، ومن مؤلفاته العربية كتاب الحميات وكتاب البول وكتاب النبض وكتاب الترياق وكتاب بستان الحكمة وكتاب الأغذية والأدوية. ويشتهر فى القرن الرابع الهجرى طبيبان يهوديان من تلامذة إسحاق بن سليمان الإسرائيلى هما دونش وموسى بن العزار، ودونش من مواليد القيروان بأخرة من القرن الثالث الهجرى تخرّج على يديه إسحاق بن سليمان الإسرائيلى فى الطب والنجوم والحساب والفلسفة، وكان يتقن العربية،