وهناك مسجدان بل جامعان كبيران تحولا مع السنين إلى جامعتين عظميين، وهما جامع عقبة بن نافع فى القيروان وجامع حسان بن النعمان فى تونس المسمى جامع الزيتونة، والجامع الأول بناه عقبة فى تأسيسه للقيروان بين سنتى ٥٠ و ٥٥ للهجرة وجدده حسان بن النعمان فى ولايته (٧١ - ٨٦ هـ) وازداد العمران فى القيروان وضاق بأهلها فوسعه عبيد الله بن الحبحاب فى ولايته (١١٦ - ١٢٢ هـ). ومنذ أنشئ هذا الجامع يتخذه الشيوخ من أهل العلم لمدارسة الناس فى علوم الدين وتحول سريعا مركزا للعلوم الدينية يؤم شيوخه الطلاب من كل أنحاء المغرب فضلا عن أرجاء إفريقية التونسية، ولم يتأخر ذلك إلى القرن الثانى الهجرى بعد توسعة ابن الحبحاب له، كما قد يظن، إذ بدأ ذلك فيه منذ إنشائه فى القرن الأول، يدل على ذلك ما ذكره أبو العرب فى طبقاته، وأشرنا إليه فى غير هذا الموضع، من أن عكرمة مولى ابن عباس وتلميذه المتوفى فى سنة ١٠٥ كان يجلس فى مؤخره ويلقى على الناس دروسه فى التفسير والحديث النبوى، ولا بد أن زخر الجامع بحلقات أخرى لشيوخ مماثلين فى الفقه والتشريع الإسلامى، وأيضا لشيوخ يروون الأشعار والأخبار، حتى إذا ظهرت نحل الخوارج أخذ دعاتها يدعون لها، وتكونت حلقات حول بعض هؤلاء الدعاة فى جامع القيروان وخاصة حول عقيدة الإباضية.
وحين ازدهرت الدعوة لمبادئ المعتزلة فى القرن الثانى أخذت طريقها إلى جامع عقبة.
وكان أهل السنة يضيقون بمناظرات الدعاة لعقائد الخوارج والمعتزلة، حتى إذا ولى سحنون إمام المذهب المالكى السنى القضاء سنة ٢٣٤ للهجرة أمر بوقف مناظراتهم وإلغاء حلقاتهم، حتى لا يفسدوا-فى رأيه-الناس والشباب. وأكبر الظن أنهم عادوا إلى الجامع بعد وفاته سنة ٢٤٠ يتحلقون فيه ويتجادلون. ونمضى إلى قيام الدولة العبيدية فى القيروان، فيحرم خلفاؤها تدريس الشريعة الإسلامية على مذاهب أهل السنة من مالكية وحنفية فى الجامع، ويضطر الشيوخ إلى تدريسها للطلاب فى بيوتهم وحوانيتهم ويظل ذلك إلى مبارحتهم إفريقية التونسية وعاصمتهم المهدية إلى القاهرة، وتعود إلى الجامع حلقات أهل السنة وخاصة المالكية وتظل له مكانته الكبيرة فى الحركة العلمية بالبلاد.
وجامع الزيتونة بتونس ظل مع جامع عقبة فى القيروان يقود الحركة العلمية منذ القرن الأول الهجرى فى إفريقية التونسية، بناه حسان بن النعمان فى ولايته (٧١ - ٨٥ هـ) وجدّده عبيد الله بن الحبحاب سنة ١١٦ هـ/٧٣٤ م للهجرة. وأعاد تجديده وزخرفه-كما يقول الأستاذ حسن حسنى عبد الوهاب-الأمير أحمد بن محمد الأغلبى وأتم بنيانه أخوه زيادة الله سنة ٢٥٠ هـ/٨٦٤ م. وأضاف إليه بنو خراسان فى إمارتهم لتونس بعض تجديدات، منها زيادة أبوابه إلى اثنى عشر بابا بعد أن كانت ستة، ودخلت عليه تجديدات أخرى فى الحقب التالية. وهو مثل جامع عقبة أخذت الدروس الدينية تعقد فيه منذ تأسيسه، وأخذ شباب تونس يختلفون إلى حلقات شيوخه، وأخذوا يتمون دروسهم فيه ويتخرجون مثل خالد بن أبى عمران التجيبى