قاضى القيروان المتوفى سنة ١٢٥ هـ/٧٤٢ م وهو أحد من سنّوا لزملائهم فى تونس والقيروان الرحلة إلى المشرق للتزود من حلقات علمائه، كما مرّ بنا فى غير هذا الموضع، واقتدى به فى طلب العلم بالمشرق تلميذاه عبد الرحمن بن زياد وعلى بن زياد، والثلاثة فى الذروة من علماء إفريقية التونسية، وأمّ الطلاب حلقاتهم بتونس من كل فج. وتكثر أسماء فقهاء تونس ومحدثيها فى القرن الثالث الهجرى حتى إذا ولى الفاطميون بأخرة من هذا القرن عطلوا فى جامع الزيتونة دراسات الفقه على أساس مذاهب أهل السنة، حتى إذا انحسر ظلهم عن المهدية وغادروها إلى القاهرة عادت إلى الجامع حلقاته الدينية، وخاصة حلقات المذهب المالكى وشيوخه النابهين، وقد تهيأ له ولجامع عقبة من قديم أئمة فى الفقه، وخاصة الفقه المالكى، وكذلك فى الحديث لا يقلون فقها وعلما عن نظرائهم فى البلاد العربية. وقد نال جامع الزيتونة الحظ الأعظم أيام الدولة الحفصية إذ عنيت عناية كبيرة بمبانيه ومكتباته وشيوخه وطلابه.
ومن دور العلم المهمة فى إفريقية التونسية وإن لم تعمر طويلا بيت الحكمة الذى أنشأه إبراهيم الثانى الأغلبى محاكاة لدار الحكمة التى أسسها ببغداد هارون الرشيد ورعاها ابنه المأمون. وكان هذا البيت خاصا بعلوم الأوائل مثل دار الحكمة البغدادية، وللأستاذ حسن حسنى عبد الوهاب مبحث قيّم فيه بالقسم الأول من كتابه ورقات عن الحضارة العربية فى إفريقية التونسية، وفيه تحدث عن تأسيس إبراهيم الثانى الأغلبى له، ونظامه وخزائن كتبه وإمداده سنويا بالعلماء والمخطوطات، إذ كان يرسل سنويا سفارة إلى بغداد لجلب إخصائيين فى علوم الأوائل وشراء مخطوطات الكتب النفيسة فى الطب والفلك والرياضة إلى غير ذلك. ويستظهر الأستاذ عبد الوهاب أن المترجمين فيه ترجموا أحيانا من اللسان اللاتينى بعض الكتب، ويقول إن هذا البيت أوجد النواة لمدرسة الطب القيروانية التى أثرت فى الحركة العلمية بالمغرب، ويذكر أن قسطنطين القسيس المسيحى المولود بقرطاجة سنة ٤٠٦ هـ/١٠١٥ م والناشئ بالقيروان والمتتلمذ لمشاهير أطبائها نقل كتبهم الطبية المهمة إلى اللسان اللاتينى فى جامعة ساليرنو ومنها انتقلت إلى الجامعات الإيطالية وغير الإيطالية مما كان له أثره العميق فى النهضة الثقافية بالبلاد الأوربية. ونمضى إلى عهد على بن يحيى الصنهاجى أمير المهدية (٥٠٩ - ٥١٥ هـ) فنجده ينشئ مدرسة للكيمياء زودها بما تحتاجه من آلات لتحليل المعادن وأدوات مختلفة للتقطير.
وأخذت تونس منذ القرن السابع الهجرى تستكثر-مثل بقية بلدان المغرب-من زوايا المتصوفة، وتبعتها فى ذلك بقية بلدان الإقليم التونسى وهى أشبه بمساجد صغرى تضم مبانى للشيوخ والطلاب وتلقى فيها دروس العلوم الدينية واللغوية، مما جعلها تشارك فى نشر التعليم بمستوياته المختلفة، وكان يلحق بها عادة كتّاب لتحفيظ القرآن