للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من هذه الأمثال، غير أنه فقد. ولم يحاول من جاءوا بعده أن يفردوا الأمثال الجاهلية من الإسلامية، إذ درج أكثرهم على ترتيب الأمثال حسب الحروف الأولى على نحو ما ترتّب المعاجم ألفاظها، فهم يرتبونها أو يؤلفونها فى تسعة وعشرين بابا بعدد أبواب الحروف الهجائية. وبذلك أصبح من الصعب تمييز جاهليها من إسلاميها فى كثير من الأحيان، ومع ذلك قد يورد أصحاب هذه الكتب مع ما يروونه من الأمثال إشارات تدل على جاهليتها وقدمها. وهى تتخذ عندهم طريقين:

الطريق الأول أن يسوقوا مع المثل قصة جاهلية تفسره، أو أن يساق هو فى أثناء قصة جاهلية، كتلك الأمثال التى نقرؤها فى قصة الزبّاء من مثل: «لا يطاع لقصير أمر» و «لأمر ما جدع قصير أنفه» و «بيدى لا بيد عمرو». وقد بلغت أمثال هذه القصة عند الميدانى ثمانية عشر مثلا. ومن هذا الطريق ما يتصل بأحداث أو أساطير جاهلية كالذى زعموا أن النعمان بن امرئ القيس اللخمى ابتنى قصرا له يسمى الخورنق، بناه له رومى يسمى سنمّار، فلما أتمه قال له سنمار: إنى أعرف موضع آجرّة لو زالت لسقط القصر كله، فقال له النعمان: أيعرفها أحد غيرك؟ فقال: لا، فقال: لا جرم لأدعنّها وما يعرفها أحد، ثم أمر به فرمى من أعلى القصر إلى أسفله فتقطّع، فضرب به الجاهليون المثل فقالوا: جزاء سنمّاز.

وأما الطريق الثانى فهو أن ينسبوا المثل إلى جاهليين، فحينئذ يتعين زمنه وتاريخه، وهناك كثيرون اشتهروا فيهم بالحكمة والأمثال السائرة، ومنهم من يغرق فى القدم مثل لقمان عاد، تلك القبيلة اليمنية التى كانت تنزل فى الأحقاف، والتى بادت ولم تبق منها باقية فى الجاهلية. وقد ظل اسم لقمان يدور على ألسنة شعرائهم (١) وظلوا يذكرونه بالحكمة والبيان والحلم. يقول الجاحظ: «من القدماء ممن كان يذكر بالقدر والرياسة والبيان والخطابة والحكمة والدهاء والنّكراء لقمان عاد» وينص على أنه غير لقمان الحكيم المذكور فى القرآن الكريم (٢) كما ينص على ذلك المفسرون (٣). ولقدم لقمان حفت الأسطورة به وبحياته وكل ما يتصل بصلاته مع الناس والنساء. فقال الأخباريون إنه كان عملاقا كبير الرأس قويا قوة


(١) البيان والتبيين ١/ ١٨٣ وما بعدها و ٣/ ٣٠٤.
(٢) البيان والتبيين ١/ ١٨٤.
(٣) قصص الأنبياء للثعلبى (طبعة القاهرة) ٣٤٠ وتفسير أبى حيان ٧/ ١٨٦ وانظر خزانة الأدب للبغدادى ٢/ ٧٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>