للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خارقة حكيما حكمة بالغة. وقالوا إنه عاش عمر سبعة نسور وأن كل نسر منها عاش ثمانين سنة وكان لبد آخرها، وبه ضربوا المثل فى طول العمر فقالوا «طال الأبد على لبد (١)». ونسبت إلى لقمان فى عصور متأخرة طائفة من الأقاصيص أريد بها إلى العظة والاعتبار، سميت أمثال لقمان، وهى مكتوبة بأسلوب ركيك ضعيف.

وقد زعم هلر «Heller» كاتب مادة لقمان فى دائرة المعارف الإسلامية أن شخصية لقمان مرت بثلاث مراحل: (ا) مرحلة جاهلية وفيها يتراءى لقمان عاد الأسطورى الذى يقال إنه عاش عمر سبعة نسور وكلما هلك منها نسر خلفه نسر آخر، حتى كان لبد الذى ذكره شعراؤهم كثيرا (ب) مرحلة قرآنية، وفيها نجد للقمان سورة خاصة به فى الذكر الحكيم وقد ربط بعض المفسرين بين لقمان هذا وبين بلعام حكيم بنى إسرائيل فسردوا له نفس نسبه إذ قالوا إنه لقمان بن باعور (٢) بن ناحور ابن تارخ. (ج‍) مرحلة متأخرة، وهى مرحلة نسج فيها ولفّق قصص كثير حول لقمان كما يصور ذلك كتاب «أمثال لقمان».

ومن المحقق أن «هلو» مخطئ فيما ذهب إليه من هذا التطور لشخصية لقمان، لسبب بسيط، وهو ما قلناه من أن قدماءنا فرّقوا بين لقمان عاد ولقمان القرآن الكريم، فهما ليسا شخصا واحدا بل هما شخصان. وبينما تعنى بالأول كتب الأمثال نجد الثانى تعنى به وبوصاياه كتب الفقه والتفسير مثل موطأ مالك وتفسير أبى حيان، وقد روى الجاحظ طرفا من تعاليمه، وهى تطبع بطابع دينى (٣).

واشتهر فى الجاهلية بينهم كثيرون بهذا اللون من الأمثال وما يتصل بها من حكم، يقول الجاحظ: «ومن الخطباء البلغاء والحكام الرؤساء أكثم بن صيفى وربيعة ابن حذار وهرم بن قطبة وعامر بن الظّرب ولبيد بن ربيعة (٤)» وأحكمهم أكثم بن صيفى التميمى وعامر بن الظّرب العدوانى. فأما أكثم فكان من المعمرين (٥)،


(١) انظر المعمرين للسجستانى ص ١ وأخبار عبيد بن شرية ص ٣٥٦ والخزانة ٢/ ٧٧ والميدانى ١/ ٣٧٥.
(٢) انظر الثعلبى ٣٤٠ وتفسير أبى حيان ٨/ ١٦٨.
(٣) البيان والتبيين ٢/ ١٤٩.
(٤) البيان والتبيين ١/ ٣٦٥.
(٥) انظر فى أكثم المعمرين للسجستانى ص ١٠ والأغانى (طبعة الساسى) ١٥/ ٧٠ ومجمع الأمثال ٢/ ١٤٥ وجمهرة الأمثال للعسكرى على هامشه ١/ ١٢٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>