للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لئن كان يهدينى الغلام لوجهتى ... ويقتادنى فى السير إذ أنا راكب

لقد يستضيئ القوم بى فى أمورهم ... ويخبو ضياء العين والرّأى ثاقب

وهو كثير السخرية فى أشعاره. وله مداعبات ومجاوبات تدل على بديهة حاضرة حضورا شديدا، وكثير منها كان يدور بينه وبين أبى العيناء الضرير ويروى أنه قال له: إننى ولدت وقت طلوع الشمس، فقال له توّا: لذلك خرجت مكديا (شحاذا) لأنه وقت انتشار المساكين. وله غزل بارع من مثل قوله:

ألمت بنا يوم الرّحيل اختلاسة ... فأضرم نيران الهوى النّظر الخلس (١)

تأبّت قليلا وهى ترعد خيفة ... كما تتأبّى حين تعتدل الشّمس

فخاطبها صمتى بما أنا مضمر ... وأنبست حتى ليس يسمع لى حسّ (٢)

وولّت كما ولّى الشباب لطيّة ... طوت-دونها كشحا على نفسها-النّفس

والقطعة بديعة وتدل على رهافة الحس ودقة الشعور وخصوبة التفكير، وكأن البصير روى لنا قصة لا مجرد خطرات فى الحب والوجد. وكان يشارك أحيانا فى الخمر والمجون واللهو، وله دعابة نظمها وهو يريد الحج، صوّر فيها نفسه ألمّ بالكوفة والأديرة القائمة حولها فى الحيرة، فنازعته نفسه أن يشرب فى أحد الأديرة ويتزوّد من خمرها ما يكفيه حتى العودة، فقال لصاحبه: حطّ أثقالنا، وسار الناس وأقاما، يقول:

خرجنا نبتغى مك‍ ... ة حجّاجا وزوّارا

فلما شارف الحير ... ة حادى جملى حارا

فقلت: احطط بها رحلى ... ولا تحفل بمن سارا

فقضّينا لبانات ... لنا كانت وأوطارا

وما ظنك بالحلفا ... ء إن أشعلتها نارا


(١) الخلس: المختلس.
(٢) أنبس: همس بكلامه.

<<  <  ج: ص:  >  >>