للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وروى له الحصرى تهنئة بمولود، نظن ظنّا أنه قدمها لأحد أفراد البيت العلوى، وفيها يقول:

أتانى البشير بأن قد رزقت ... غلاما فأبهجنى ما ذكر

فعمّرك الله حتى ترا ... هـ قد قارب الخطو منه الكبر

وحتى ترى حوله من بنيه ... وإخوته وبنيهم زمر

وأوزعك الله شكر العطاء ... فإن المزيد لعبد شكر

وصلّى على السّلف الصّالح‍ ... ين منكم وبارك فيمن غبر

وكان يؤذى نفسه إيذاء شديدا أن يقدّم شعره أحيانا لبعض الرؤساء أو بعض رجال الدولة فلا يأبه له أو لا يعطيه ما يستحقه، وتصادف أن أفرادا مختلفين وقفوا منه هذا الموقف فى صور مختلفة، فعزّت عليه نفسه وكرامته، وأنشأ يقول:

وإنى قد بلوتكم جميعا ... فما منكم على شكرى حريص

وأرخصت الثناء فعفتموه ... وربّتما غلا الشّئ الرخيص

فعفت نوالكم ورغبت عنه ... وشرّ الزاد ما عاف الخصيص (١)

ولعل شخصا لم يؤذ نفسه وكبرياءه كما آذاه المعلّى بن أيوب أحد قواد الجيش، ولعل ذلك ما جعله يخصّه ببيتين كأنهما سهمان مصميان، إذ يقول فيه:

لعمر أبيك ما نسب المعلّى ... إلى كرم وفى الدنيا كريم

ولكن البلاد إذا اقشعرّت ... وصوّح نبتها رعى الهشيم (٢)

وكان يحسّ فقده لبصره إحساسا عميقا، ولكن ذلك لم يكسر نفسه ولا أصابه بهوان، إذ نراه يدلّ بأن غيره من المبصرين يستمدّون علمهم من الكتب المخلّدة، أما علمه فدفتره القلب وحبره السمع، ويعتذر اعتذارات طريفة عن أنه لا يستطيع شيئا إلا بغيره كما نرى فى مثل قوله:


(١) الخصيص: من الخصاصة؛ وهى الفقر والاحتياج.
(٢) اقشعرت: أجدبت. وصوّح: يبس.

<<  <  ج: ص:  >  >>