ولقّب البصير على العادة فى التفاؤل أو لذكائه وفطنته. وكان شيعىّ الهوى على مذهب أهل بلدته الكوفة، وأكبر الظن أنه كان إماميّا يؤمن بالتقيّة، ولذلك لم ير بأسا فى أن يترك الكوفة إلى بغداد وسامرّاء. ونزل الأخيرة فى خلافة المعتصم ومدحه ومدح جماعة من قواده، ولزم المتوكل والفتح بن خاقان يمدحهما وينال جوائزهما، ولحق زمن المعتز وهنأه بالخلافة كما مر بنا فى غير هذا الموضع. ولم يكن شاعرا فحسب، بل كان أيضا صاحب رسائل نثرية بارعة، وفى الجزء الرابع من جمهرة رسائل العرب لأحمد زكى صفوت قطعة منها بديعة. ويقول المسعودى: «كان من أطبع الناس فى زمانه لا يزال يأتى بالبيت النادر والمثل السائر الذى لا يأتى به غيره، وله فى الفضل حفيد الحسن بن سهل:
ملك ندفع-ما نخشى-به ... وبه-نصلح منا ما فسد
ينجز الناس إذا ما وعدوا ... وإذا ما أنجز الفضل وعد
ودقة العبارة واضحة، وواضح معها دقة الفكرة فى البيت الثانى، فالفضل لا يزال يؤدى وعوده وكلما أدّى وعدا وعد ثانية، فهو بحر من الجود لا ينقطع فيضه، ومن طريف ماله فى الفتح بن خاقان قوله واصفا بلاغته وشعره:
سمعنا بأشعار الملوك فكلّها ... إذا عضّ متنيه الثّقاف تأوّدا
سوى ما رأينا لامرئ القيس إننا ... نراه متى لم يشعر الفتح أوحدا
أقام زمانا يسمع القول صامتا ... ونحسبه إن رام أكدى وأصلدا (١)
فلما امتطاه راكبا ذلّ صعبه ... وسار فأضحى قد أغار وأنجدا
فأشعار الملوك قبل الفتح لا تثبت عند الثقاف والتمحيص ولا تستقيم بل تتأوّد وتتثنى إلا ما كان من شعر امرئ القيس، ولكن بشرط ألا ينظم الفتح وكأنه يعلو به على أبى الشعر العربى كله. وصوّره يطيل إرهاف سمعه لمادحيه، حتى ليظن الرائى أنه لا يحسن قول الشعر ولا نظمه، حتى إذا رامه ونظمه ذاع فى طول البلاد وعرضها وفى حزنها وسهولها ونجادها وأغوارها. ويقول الرواة إنه كان يتشيع وإن له فى ذلك أشعارا، ولم يصلنا من هذه الأشعار شئ ولعل كثيرا منها كان فى مدح آل البيت.