وشمائل رقّت كما خطرت على ... زهر الربيع بواكر الأنداء
والصياغة رصينة جزلة، والألفاظ مختارة منتخبة. والمعانى مكررة فى المديح التقليدى، غير أن الشاعر يحاول أن يخرجها إخراجا طريفا على نحو ما يتضح فى البيت الأول الذى جمع فيه بين الكرم والبشر المترقرق فى وجه الممدوح، وبذلك جعله يجود بالآلاء والنعم كما يجود بلألاء الوجه وإشراقه وما يجرى فيه من بشر بهيج. والجناس بين الآلاء والألاء جناس بديع. وواضح كيف لاءم فى البيت الثانى بين معناه وبين الممدوح وكان مفتيا لدمشق، فوصفه بالفطنة ودقة الحدس، وبالمثل البيت الثالث وما جمع فيه بين المهابة والجلالة والبهاء مع حسن الصياغة. وقل ذلك نفسه فى البيت الرابع فشمائل. المفتى رقيقة عطرة كزهر الربيع باكرته النسائم والأنداء.
وولى القضاء فى دمشق والشام حسام زاده قبل توليه منصب الإفتاء فى الدولة العثمانية وعم فضله وبرّه أدباءها، وله ألف البديعى كتابيه:«هبة الأيام فيما يتعلق بأبى تمام» و «الصبح المنبى فى الكشف عن حيثية المتنبى» ويقول منجك فى تهنئة له بالعيد:
آلى الزمان عليه أن يواليكا ... يثنى عليك ولا يأتى بثانيكا
إذا سطا فبأحكام تنفّذها ... وإن سخا فبفضل من مساعيكا
من ذا يضاهيك فيما حزت من شرف ... ومن يدانيك فى حلم ويحكيكا
أعيادنا كلّها يوم نراك به ... وليلة القدر وقت من لياليكا
والملاءمة بين معانى الأبيات ومنصب المفتى-وكان حينئذ قاضيا بدمشق-واضحة، والمبالغة واضحة فى البيت الأول، ولكن الشاعر خففها بالجناس بين «يثنى وثانيكا» وعاد إليها بقوة فى البيت الأخير، وكان يكفيه أن تكون أيام لقائه للقاضى أعيادا، ولكنه أبى إلا المبالغة المسرفة إذ جعل ليلة القدر وقبول الدعاء بها ممن يحظون برؤيتها وقت من ليالى الشيخ. ولا ريب فى أن صياغته ناصعة، وأنه يغلب على شعره السلاسة، مع ما يوشيه به من جناس وطباق كما فى البيت الثانى. ودائما محسنات البديع عنده مقبولة، وقلما يمازجها الثقل والتكلف. وله مدحة فى أستاذه المقرى-وهو صاحب نفح الطيب-ويذكر أنه قرأ عليه كتاب «الشفا» وهو فى مدح المصطفى سيد المرسلين، وتموج المدحة بإجلاله لعلمه وتقواه، يقول:
يقضى النهار بآراء مسدّدة ... ويقطع الليل تسبيحا وقرآنا