للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قصائدهم برصف طائفة من الأمثال والحكم، ولابن منير الطرابلسى قصيدة من هذا الطراز يقول فيها (١):

وإذا الكريم رأى الخمول نزيله ... فى منزل فالحزم أن يترحلا

كالبدر لما أن تضاءل جدّ فى ... طلب الكمال فحازه متنقّلا

سفها لحلمك أن رضيت بمشرب ... رنق ورزق الله قد ملأ الملا

فارق ترق كالسيف سلّ فبان فى ... متنيه ما أخفى القراب وأخملا

للقفر لا للفقر هبها إنما ... مغناك ما أغناك أن تتوسّلا

وهى أمثال وحكم يراد بها النصح لسلوك الشخص الكريم على نفسه فى الحياة. فلا يرضى بمنزل هون، بل يرحل وينتقل، فكمال البدر وعز الشخص فى تنقله. ويزجر من يرضى المشرب الكدر ورزق الله قد طبق الملا أو الأرض وملأها بالطيبات، وهل يقطع السيف إلا بعد أن يسلّ من قرابه أو غمده، وعار ما بعده عار أن يتضرع الشخص ويتذلل لإنسان مثله، ولأن يركب القفر المجدب الخراب خير من أن يقف بباب.

ودائما تلقانا هذه الحكم فى تضاعيف قصائد الشعراء ومقطوعاتهم، وفى كتاب طبقات الأطباء لابن أبى أصيبعة منها طائفة جرت على ألسنة أطباء الشام، ويلقانا منها أيضا منثورات فى كتب التاريخ كقول الشيخ شمس الدين الحمصى (٢):

الدهر كالطيف بؤساه وأنعمه ... عن غير قصد فلا تحمد ولا تلم

لا تسأل الدهر فى البأساء يكشفها ... فلو سألت دوام البؤس لم يدم

فكل شئ حائل وزائل ولا دوام لضر أو نفع ولا لبؤس أو نعيم، ولا دخل لدهر فى شئ من ذلك، ولا يأس مع رحمة الله فلا بؤس يدوم ولا ضر يدوم. وربما كانت أروع قصيدة من قصائد هذه الامثال والحكم فى العصر المملوكى قصيدة عمر بن الوردى المتوفى سنة ٧٤٩ للهجرة وهى فى أكثر من سبعين بيتا. وفيها يقول (٣):


(١) ابن خلكان ١/ ١٥٦
(٢) النجوم الزاهرة ٧/ ٣٤٥
(٣) الكشكول لبهاء الدين العاملى (طبعة عيسى البابى الحلى) ١/ ٣٠٦

<<  <  ج: ص:  >  >>