تلخيصه لكتابى الخطابة والشعر لأرسططاليس هو الذى وصله بالثقافة اليونانية النقدية مما يتضح أثره فى كتابه منهاج البلغاء. وهاجر فى أواخر العقد الثالث من حياته إلى مراكش لعهد الرشيد الموحدى وله فيه أمداح ونال منه صلات سنية. وأحسّ أن سلطان الموحدين يوشك على نهايته وأن لا أمل فى دفعهم لمنازلة نصارى الشمال، فاتجه-مثل كثيرين من معاصريه الأندلسيين-إلى أبى زكريا الحفصى صاحب تونس، فعرف له فضله وقرّبه، وتوفى فقرّ به منه ابنه المستنصر (٦٤٧ - ٦٧٥ هـ) ووظفه فى دواوينه، واتخذ تونس موطنا له حتى وفاته سنة ٦٨٤. وذاع صيته فقصده طلاب العلم من كل مكان، فكان وقته موزعا بين العمل فى ديوان المستنصر وبين محاضراته للطلاب والتأليف ونظم الشعر. وعنى الدكتور محمد الحبيب بن الخوجة بالحديث عن شعره فى مقدمته لكتابه منهاج البلغاء ملاحظا أنه يتناول فى المقاطيع المأثورة له موضوعات الزهد ووصف الطبيعة والخمر والنسيب وأنه قد يتصنع لذكر بعض المصطلحات العلمية فى شعره أو لذكر بعض المحسنات البديعية. ويذكر له قصيدة ومقطوعة فى رثاء الحسين رضوان الله عليه، كما يذكر له طائفة من المدائح فى أبى زكريا الحفصى وابنه المستنصر، ويذكر له مدحة فى الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم ضمنها أعجاز معلقة امرئ القيس على نحو ما يقول فى فاتحتها:
لعينيك قل إن زرت أفضل مرسل ... قفانبك من ذكرى حبيب ومنزل
وأهم مدائحه مقصورته التى مدح بها المستنصر. وحاول الإسهام فى صنع مختصر شعرى للنحو على نحو ما نرى فى ميميته النحوية التى نظمها من وزن البسيط وهى فى مائتى بيت وتسعة عشر، وهو يستهلها بإطراء المستنصر الحفصى لإكرامه الوافدين على عاصمته من الأندلس، ويشيد بعدله وحسن سياسته وانتصاراته على أعدائه، ثم يأخذ فى عرض المختصر الشعرى للنحو، ويعرض فيه طائفة من مباحثه بادئا بتعريف النحو والكلام وتقسيمه إلى اسم وفعل وحرف ثم يذكر أحكام الإعراب والبناء والعوامل والفعل وأحكامه ونواصب الأفعال ونواصب الأسماء والنداء والاستثناء والخفض وأحرف النصب وعلامات الإعراب والابتداء وعنده تتوقف القصيدة. وكأنه كان يريد أن يصنع ألفية مثل ألفية ابن مالك ووجد الطريق شاقا فانصرف عنه. وأروع قصائد حازم الشعرية-دون ريب-مقصورته التى مدح بها المستنصر، وهى أرجوزة طويلة بل مسرفة فى الطول، إذ تبلغ ألف بيت وستة، وقد استهلها بالغزل منشدا:
لله ما قد هجت يا يوم النّوى ... على فؤادى من تباريح الجوى