للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويطيل فى غزله إلى خمسين بيتا ناسجا فى أبياته أكثر المعانى التى ألمّ بها الغزلون من الحديث عن جمال صواحبهن وتصوير لحظات الفراق والتألم من الوشاة وما يثير فى نفوسهم هديل الحمام من شجى. ويتحول إلى مديح أسلاف المستنصر ومديحه فى مائة وعشرين بيتا ذاكرا انتسابه إلى الفاروق عمر بن الخطاب، وهو انتساب يسمو إلى أعلى مرتقى، وينشد:

مستنصر بالله منصور به ... مؤيّد بعونه على العدا

ملك حكى ملك سليمان الذى ... لم يتّجه لغيره ولا ابتغى

ويشيد بعاصمة تونس ويشبهها بجنّة الخلد كما يشبه قناتى المياه اللتين تحملانه من جبل زغوان إلى تونس واللتين جددهما المستنصر، بنهرين كبيرين، وكأن كل قناة إنما هى نفس الكوثر: نهر الفردوس. ويطيل فى وصف جنات أبى فهر والقصبة بتونس، ويتحدث عن بأس المستنصر وخيله وجيشه وفتكه بأعدائه، ويقول إنه ليث كفاح وغيث سماح وبحر جود فياض، قد طابت به الأيام، ويعدد فواضله عليه ومآثره منشدا:

بلغت آراب المنى فى دولة ... أولت يدى أسنى الأيادى واللها (١)

والدّهر عيد والليالى عرس ... والدّهر أحلام كأحلام الكرى (٢)

وكأنما تهيج تونس بمباهجها فى نفسه الذكرى لمرابع شبابه ومراتع لهوه، ويتغنى بالحب، ويصف الكواكب والشهب كما يصف لهوه ومتاعه بالصيد، وكل ذلك فى نحو ثلاثين بيتا.

ويعود بذاكرته إلى ماضيه متحدثا فى نحو ثلاثمائة بيت عن المدن التى نهبها النصارى والتى كانت تكتظ بالعلماء والسادة الأعلام، مصوّرا كم نعم فيها مع خلاّنه من الشباب متنقّلين بين قصور وجسور على شواطئ الأنهار وقرى وربى ومروج وبطاح، ويتغنى بمشاهد مدينة مرسية ونسائها الجميلات وكأنما يصف فردوسا مفقودا كان ملء عينيه وسمعه وقلبه، ومن قوله:

نصيف من مرسية بمنزل ... ضفا به الدّوح على ماء صفا (٣)

نقطع دنيانا بوصل الأنس فى ... مغتبق فى روضه ومغتدى (٤)


(١) الأيادى: النعم. اللها: العطايا.
(٢) الكرى: النوم
(٣) نصيف: نقضى الصيف. ضفا الدوح: نما الشجر وكثر.
(٤) مغتبق: مكان الغبوق وهو شرب العشى، مغتدى: مكان الغدوّ فى الصباح.

<<  <  ج: ص:  >  >>