ويشيد بإنعام الناصر عليه فى مقدمة ديوانه، وأن رئيس وزرائه أبلغه رغبته فى أن يجمع شعره فى ديوان ويبوبه ويرتبه. ولبىّ صفى الدين رغبة الناصر، فجمع ديوانه، وجعله فى اثنى عشر بابا تشتمل على ثلاثين فصلا، والأبواب فى الفخر والحماسة والمدح والطرديات والإخوانيات والمراثى والغزل والخمريات والشكوى والهدايا والألغاز والزهد والهجاء ومعه الملح والأحماض. وكأنما أريد لديوان صفىّ الدين أن يشيع من مصر، على نحو ما تطبع فى عصرنا بمصر دواوين كثيرة لشعراء البلاد العربية. وفى الديوان مدائح مختلفة للرسول عليه السلام ولعلى بن أبى طالب رضوان الله عليه، وقد درسها الدكتور جواد علوش وانتهى من درسها إلى أنه كان شيعيا إماميا، وكل ما جاء به من أدلة على ذلك إشارته فى بعض تلك المدائح إلى أن الرسول جعله وصيا له وأنه عهد له بهذه الوصاية حين نزل بغدير خمّ بين مكة والمدينة، يقول فى مديح على:
إمام له عقد يوم الغدير ... بنصّ النبىّ وأقواله
وذكر صفىّ الدين لهذا العهد لايثبت أنه شيعى إمامى، إذ لا نجد فى شعره شيئا من عقيدة الإمامية، ومعروف أن الزيدية مثل الإمامية يؤمنون بهذا العهد، ونجده فى نفس باب مديحه للرسول ولعلى يبرئ نفسه من تفضيل بعض الصحابة على بعض، يقول:
ولائى لآل المصطفى عقد مذهبى ... وقلبى من حبّ الصّبابة مفعم
وما أنا ممن يستجيز بحبّهم ... مسبّة أقوام عليهم تقدّموا
والبيتان الثانى والثالث يخرجانه من العقيدة الإمامية التى تضفى على علىّ وأبنائه من الأئمة صفات روحية قدسية لا توجد فى غيرهم من أفراد الأمة، والبيت الثالث يخرجه من الزيدية، هم حقا يصححون خلافة أبى بكر وعمر ولكن مع الإيمان بأن عليّا أفضل منهما وأنه تجوز إمامة المفضول مع وجود الأفضل. وإذن فصفى الدين لا إمامى ولا زيدى، ومن قوله:
قيل لى: تعشق الصحابة طرّا ... أم تفّردت منهم بفريق
فإلى من تميل؟ قلت إلى الأر ... بع لا سيّما إلى الفاروق
ويكفى أن يقول إنه يميل إلى الفاروق عمر أكثر من على، ليخرج من كل أبواب التشيع، أما ورود عهد الغدير فى بعض شعره فلعله قال ذلك عفوا فى حداثته، وخاصة أنه نشأ فى الحلّة، وهى بيئة قديمة من بيئات التشيع، وهو نفسه يقول فى مقدمة الديوان إن شعره فى الرسول وآله نظمه فى باكورة حياته.