للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالإشارة إلى بعض المراثى البديعة، فمن ذلك مرثية أبى الحسن محمد بن عمر الأنبارى الصوفى الواعظ لصديقه الوزير ابن بقية حين قتله عضد الدولة البويهى وصلبه فى بغداد لسنة ٣٦٧ وقد استهلها بقوله (١):

علوّ فى الحياة وفى الممات ... لحقّ أنت إحدى المعجزات

كأنّ الناس حولك حين قاموا ... وقود نداك أيام الصّلات

كأنك قائم فيهم خطيبا ... وكلّهم قيام للصّلاة

مددت يديك نحوهم اختفاء ... كمدّهما إليهم بالهبات

ويشبّه صلبه بصلب زيد بن على زين العابدين فى أواخر العصر الأموى، ويتصور الجذع المصلوب إليه كأنه يعانق المكرمات، ويظن كأن الكوارث التى طالما ردّها عن الناس ثأرت لنفسها منه، ويقول إن باطن الأرض حين ضاق عن أن يضم علاه جعلوا الجّوقبره كما جعلوا أكفانه غبار الرياح، ويستنزل عليه أو يستمطر شآبيب الرحمة والرضوان.

ويكثر فى العصر رثاء الشعراء، وفى مقدمتهم المتنبى، وفى كتاب الدمية للباخرزى مراث مختلفة له، وممن رثاه أبو القاسم المظفّر بن على الطّبسى، وفيه يقول (٢):

لا رعى الله سرب هذا الزمان ... إذ دهانا فى مثل ذاك اللّسان

ما رأى الناس ثانى المتنبّى ... أىّ ثان يرى لبكر الزمان

كان من نفسه الكبيرة فى جي‍ ... ش وفى كبرياء ذى سلطان

هو فى شعره نبىّ ولكن ... ظهرت معجزاته فى المعانى

وكان الشريف الرضى يكثر من رثاء أصدقائه من الكتاب والشعراء، وقد رثى أبا إسحق الصابئ بقصيدته الدالية مفتتحا لها بقوله:

أرأيت من حملوا على الأعواد ... أرأيت كيف خبا ضياء النّادى

وعاتبه الناس فى ذلك لكونه شريفا من سلالة الرسول ورثى صابئا، فقال: إنما رثيت فضله. وتوفى الرضى فرثاه مهيار بلامية تأثر فى مطلعها بمطلع داليته آنفة الذكر إذ يقول:

حملوك لو علموا من المحمول ... فارتاض معتاص وخفّ ثقيل

وهذا باب يطول. ونكتفى بأن نقول إنه لم يمت خليفة ولا وزير ولا حاكم إلا وأكثر الشعراء من رثائه. وأهم من هذه المراثى لأشخاص رثاء بغداد حين اكتسحها التتار وخربوها ودمروها تدميرا فقد بكاها الشعراء بكاء حارّا، بكوا أهلها الذين سفكت


(١) انظر النجوم الزاهرة ٤/ ١٣٠ وابن خلكان ٥/ ١٢٠
(٢) ابن خلكان ١/ ١٢٤ وانظر الدمية ١/ ١٠٥، ١٠٧، ٣١٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>