للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دماؤهم وقتّلوا تقتيلا، وبكوا تاريخها ومدنيتها وما كان بها من علوم وعلماء، وقد أشرنا فى الفصل الأول إلى مرثية الشيخ تقى الدين التنوخى لها، وقد أكثر من رثائها شمس الدين الكوفى الواعظ المتوفى سنة ٦٧٥ واحتفظ ابن شاكر فى كتابه فوات الوفيات بطائفة من مراثيه فى ترجمته للخليفة المستعصم، وفى إحداها يقول (١):

أين الذين عهدتهم ولعزّهم ... ذلاّ تخرّ معاقد التّيجان

كانوا نجوم من اقتدى فعليهم ... يبكى الهدى وشعائر الإيمان

لما رأيت الدار بعد فراقهم ... أضحت معطّلة من السكّان

ما زلت أبكيهم وألثم وحشة ... لجمالهم مستهدم الأركان

وكان لهذه النكبة صداها المدوى فى جميع البلدان العربية وفى إيران، حتى لنرى الشيخ سعدى الشيرازى وغيره من شعرائها يندبونها ندبا كله لوعة وحسرة على ما أصابها من دمار ونكال.

ولعل الهجاء كان أكثر ذيوعا وانتشارا من الرثاء، ومرّ بنا أن المتنبى هجا كثيرا الأعاجم كما هجا كافورا الإخشيدى، وتلقانا فى اليتيمة والدمية والخريدة أهاج كثيرة، بل يلقانا شعراء وقفوا حياتهم أو كادوا على الهجاء مثل محمد بن محمد بن جعفر البصرى المعروف باسم ابن (٢) لنكك المتوفى سنة ٣٦٠ وكان قد قصّر به جهده عن بلوغ الغاية أو المنزلة التى يأملها لنفسه، فسلّ لسانه على معاصريه من الشعراء حتى المتنبى فإنه هجاه، وهو الذى زعم أنه ابن سقّاء بالكوفة، كما لاحظ ياقوت فى ترجمته له. وكان يتهاجى مع شاعر معاصر له يسمى أبا رياش، وفيه يقول:

على القبح الفظيع أبو رياش ... يعاشرنا بأخلاق ملاح

يبيح أكفّنا أبدا قفاه ... فنصفعه على جهة المزاح

وهما من أنظف ما قال فيه، وكأنه كان يريد أن يتشفّى من الزمن بهجوه وهجو غيره من الشعراء لكساد شعره وهوان شأنه على الناس. ومن كبار الهجائين فى العصر ابن الهبّارية المتوفى سنة ٥٠٤ وسنترجم له فى غير هذا الموضع، وقد ذكر العماد فى الخريدة أن له قصيدة (٣) فى هجو أرباب الدولة فى عهد ملكشاه السلجوقى (٤٦٥ - ٤٨٥) وساق منها قطعتين طويلتين، وفيهم يقول:


(١) فوات الوفيات ١/ ٥٠٠.
(٢) انظر فى ابن لنكك اليتيمة ٢/ ٣٤٨ وتاريخ بغداد ٣/ ٢٩٩ ومعجم الأدباء ٧/ ٧٨ والوافى بالوفيات ١/ ١٥٦ وفوات الوافيات ١/ ٥٤ وشعر ابن لنكك البصرى بتحقيق زهير غازى زاهد (طبع البصرة)
(٣) الخريدة (قسم العراق) ٢/ ٨١.

<<  <  ج: ص:  >  >>