هذا التحول فى المغرب من حكم العرب إلى البربر كان نفورا من العرب وكرها لهم وتحقيقا لآمال البربر فى الاستقلال عن العرب ودولهم فإن ذلك كله ليس بصحيح، إنما الصحيح أنه تطور طبيعى لتمرّن البربر على أساليب الحكم وبناء الدول، وأيضا بناء المدن، ومرّ بنا آنفا بناء على بن حمدون لمدينة المسيلة وبناء زيرى لمدينة أشير وبناء بلكين لمدينتى الجزائر ومليانة.
واتخذ بلكين القيروان عاصمة له، وتوفى الخليفة العبيدى المعز سنة ٣٦٥ هـ/٩٧٥ م وتولّى ابنه العزيز وثبّته فى ولايته وأضاف إليه طرابلس وإقليمها. وثارت فى أوائل عهده بالجزائر تاهرت وباغاية وتلمسان واستسلمت له سريعا، وكانت الخلافة الأموية بقرطبة لا تزال توعز لزناتة وتلمسان وسجلماسة وفاس بالثورة على الخلافة العبيدية وبلكين، وقاد فى سنة ٣٦٨ هـ/٩٧٩ م جيشا كثيفا إلى تلك الأنحاء، واستسلمت له جميعا. وتوفى فى أثناء عودته من المغرب الأقصى سنة ٣٧٣ للهجرة، وخلفه ابنه المنصور فى أوائل سنة ٣٧٤ هـ/٩٨٤ م فعقد لأخيه يطوفت على أشير عاصمة صنهاجة. وكان المنصور بن أبى عامر المستبد بحكم الأندلس باسم خليفته الشرعى المؤيد قد أعان زيرى ابن عطية زعيم زناتة على بسط سلطانه على سجلماسة، وبالمثل على فاس واتخذها عاصمة له، فأمر المنصور أخاه يطوفت أن يقود جيشا إلى المغرب الأقصى ليسترجعه من زيرى، وصدع بأمره، غير أن زيرى هزمه وعاد إلى أشير يجر أذيال الهزيمة. وكان المنصور رجل سلم فصمم أن تضع الحرب أوزارها بين قبيلته صنهاجة وقبيلة زيرى زناتة فلا يعودوا إلى القتال، وأعلن أن تلك آخر حرب بين القبيلتين حتى ينهى الحروب العقيمة التى أنهكت قواهما طويلا. وعرف العزيز الفاطمى فى القاهرة هذا النبأ فغضب لما يؤدى إليه من ضياع المغرب الأقصى نهائيا، فأرسل إلى كتامة فى الجزائر داعية يسمى أبا الفهم الخراسانى سنة ٣٧٦ لتأليبها على المنصور، وظل سنة يثير الكتاميين ويجمعهم حوله، ولقيه المنصور هو وجموعه فى سطيف شرقى تاهرت وقضى عليه. وأدت سياسته الحكيمة مع زناتة إلى أن تنضم إليه جماعة منها سنة ٣٧٩ بزعامة سعيد بن خزرون فولاّه على طبنة، وتوفى سنة ٣٨٢ فولّى ابنه فلفلا مكانه. وعم الجزائر الأمن والهدوء فى بقية أيامه وتوفى سنة ٣٨٦ هـ/٩٩٦ م وخلفه ابنه باديس فى الثالثة عشرة من عمره فدبّر له أمور الدولة فى إفريقية التونسية والجزائر أعمامه، وخاصة يطوفت فى تاهرت وحمادا وقد ولاه على أشير سنة ٣٨٧. وماتوا فى سنة ٣٨٩ حتى يعد زيرى بن عطية صاحب فاس جيشا ضخما ويحاصر يطوفت فى تاهرت، وينجده سريعا حماد كما ينجده باديس بجيش يقوده محمد بن أبى العرب، ويضع القادة الثلاثة الخطط ويشنون هجوما على زنانة، وتدور عليهم الدوائر، ويولى جيشهم الأدبار تاركين وراءهم مضاربهم وما فيها من الأموال والسلاح غنيمة لزناتة وزيرى. وبلغ باديس الخبر فخرج على رأس جيش للقاء زيرى، وعلم به فعاد إلى فاس، وخرج عليه فلفل بن سعيد فظلت فرق من الجيش تطارده، وفرّ إلى طرابلس سنة ٣٩١ واستوطنها. وجاءه خبر