إلى الجنوب فى الصحراء يجاهد فى سبيل الله ونشر دينه حتى بلغ السودان ونهر النيجر، وتوفى سنة ٤٨٠، وصار كل ما فتحه يدين بالولاء ليوسف فعظم أمره وشأنه. ومن سياسته الرشيدة أنه كتب إلى الخليفة العباسى ببغداد يبايعه ويطلب منه تقليدا بولايته على ما بيده من البلدان وخاطبه الخليفة بلقب أمير المسلمين، وثبت له هذا اللقب من حينئذ، وبذلك أدخل المغرب الأقصى فى إطار الجامعة الإسلامية العربية، واستصرخه أمراء الأندلس ضد نصارى الإسبان الشماليين، فعبر الزقاق بجنوده، وسحق أعداء الإسلام فى وقعة الزلاقة المشهورة فى سنة ٤٧٩ هـ/١٠٨٦ م. وأخذ الأندلسيون من حينئذ يندمجون فى سكان المغرب الأقصى بالزيارة والمصاهرة وخدمة دولة المرابطين والعمل فيها كتابا وقضاة وموظفين وعلماء يفدون على جامعة القرويين ومساجد مراكش وسبتة وطنجة وأصيلا وغيرهما من بلدان المغرب مما كان له أثر بعيد فى استكمال تعربها.
وتتحول مقاليد الحكم فى المغرب الأقصى إلى دولة الموحدين، ومر بنا فى الفصل الثانى- أن القبائل الهلالية بالجزائر: الأثبج وزغبة ورياحا وقرة وضعت يدها فى يد صنهاجة لحرب عبد المؤمن فأرسل إليها جيشا هزمها وولت على وجوهها لا تلوى على شئ تاركة وراءها نساءها وأولادها، فأمر بحملهم إلى مراكش وأجرى عليهم نفقات واسعة، وكتب إلى أمراء تلك القبائل المنهزمة بأن أبناءهم فى الحفظ والصون. وبذل لهم الأمان والكرامة ووفدوا عليه، فرد عليهم نساءهم وأولادهم وأجزل لهم فى العطاء، واحتفى بهم، فملك قلوبهم، ويقال إنه أحلفهم على السمع والطاعة له وعونه على الجهاد فى الأندلس مع القبائل المغربية، وفى عودته من فتح المهدية سنة ٥٥٥ هـ/١١٦٠ م نقل من تلك القبائل الهلالية ألفا من كل قبيلة وأسكنهم البلاد المغربية منتويا بنظره الصائب أن يبعدهم عن الجزائر حتى تتخلص من عيثهم فيها وأن يشغلهم بالجهاد فى الأندلس. وأتاح ذلك للمغرب الأقصى جمهورا كبيرا منهم امتزج بسكانه وأنسى كثيرين منهم الرطانة البربرية وأبدلهم منها الفصاحة العربية. وفى سنة ٥٥٨ عزم عبد المؤمن على الجواز إلى الأندلس فأرسل إلى الأعراب فى بجاية وإقليمها يستصرخهم إلى الجهاد فى سبيل الله بالأندلس فاستجاب له منهم-كما يقول صاحب المعجب-جمع ضخم، فأنزل بعضهم نواحى قرطبة وبعضهم نواحى إشبيلية، وأقاموا هنالك. ودعا ابنه يوسف الخليفة بعده قبيلة رياح بالجزائر لنفس الغاية، فوفد عليه منهم حشد ضخم وضعوا أنفسهم-كما مر بنا-تحت تصرفه، وعبر كثير منهم معه الزقاق للجهاد فى الأندلس. وخرجت بقايا رياح وجشم والأثبج فى الجزائر على ابنه يعقوب وردها إلى طاعته، ونقلها إلى المغرب الأقصى فأنزل قبيلة رياح منطقتى الهبط وأزغار، وأنزل قبيلة جشم منطقة تامسنة وقبيلة الأثبج منطقتى دكالة وتادلة. وأخذ كثير من عشائر هذه القبائل ينساح داخل البلاد وعلى المحيط وفى السهول الواقعة بين سلا ومكناس. ومنح يعقوب نوميديا أى الصحراء جنوبى