للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عربية من القيروان والمشرق، ووفد عليه مئات أسكنهم فى أحد شطرى مدينة فاس وسمى لذلك باسم العدوة القروية، ولما أخفقت ثورة الفقهاء فى قرطبة على الحكم الربضى وطردهم منها ولّى مئات منهم وجوههم نحو مدينة فاس فأسكنهم إدريس الثانى الشطر المقابل لعدوة القرويين، وسمى لذلك العدوة الأندلسية. وأخذ الأدارسة منذ أيامهم الأولى يعنون بفتح الكتاتيب فى المدن وتحفيظ الناشئة القرآن الكريم، وأخذت تنشأ فى المساجد سريعا حلقات المفسرين والمحدثين والفقهاء ومن يعلمون الناس العربية والنطق السديد بها، وبذلك كله رسخ الإسلام ورسخت العروبة فى المغرب الأقصى إلى الأبد. وأخذت الدراسات الدينية واللغوية تنشط فيه لعهد الأدارسة وبعد عهدهم، ولا يلبث كثيرون من طلاب العلم فيه يريدون أن يتزودوا بأكبر حظ فيفدوا على القيروان ومصر وبلاد المشرق للاستماع إلى كبار العلماء فيها مالكية وغير مالكية ويعودوا بما حملوه من العلم إلى بلدانهم يعلمونه فيها، وما يكاد ينتصف القرن الرابع حتى يصبح للمغرب الأقصى علماؤه وفقهاؤه ومحدثوه الذين تعنى كتب التراجم بإعطاء معلومات عن حياتهم مثل دراس بن إسماعيل الفاسى ومعاصره أبى جيدة وغيرهما كثيرون.

وتحدث الهجرة الأعرابية الكبرى حول منتصف القرن الخامس الهجرى وتنزل قبائلها وعشائرها فى برقة وتونس والجزائر شرقا وغربا وقلما تسقط عشائر منها إلى المغرب الأقصى، وكان مستمرا فى نشاطه العلمى والأدبى بفضل جامع القرويين أو جامعته الكبرى التى أنشئت سنة ٢٤٥ هـ‍/٨٥٩ م وكانت سيدة فاضلة من مهاجرة القيروان تسمى أم البنين الفهرية بنت هذا الجامع فاستحال-من حينئذ-سريعا إلى جامعة، وهى تعد أقدم جامعة إسلامية عربية فى العالم العربى، ومضى العلماء فيها يعنون بالعلوم الدينية واللغوية ونشرها تلاميذهم فى أرجاء المغرب الأقصى. ونمضى مع التاريخ حتى القرن الخامس الهجرى، فيدخل الفقيه الجليل عبد الله بن ياسين بلاد صنهاجة فى جنوبى المغرب الأقصى ليحفظهم القرآن الكريم وكان حصيفا سيوسا بعيد النظر فعمل على تثبيت دعائم الإسلام فى السوس ودرعة وسجلماسة وما وراء تلك البلدان فى الصحراء المترامية، وكوّن من صنهاجة جيشا لردع ما انتشر فى بعض بلدان المغرب الأقصى من الزيغ والفساد، وبدأ بمدينة تارودنت ومن بها من روافض سمّوا باسم البجلية نسبة إلى عبد الله البجلى الرافضى الذى نزلها فى القرن الرابع الهجرى وأشاع فيها نحلته المارقة، فحاربهم عبد الله بن ياسين وانتصر عليهم وردهم إلى الإسلام السنى، ومضى إلى تامسنة ونازل فيها برغواطة التى كانت قد اعتنقت نحلة زائغة ضالة، وأنزل الله عليه النصر المبين، غير أنه استشهد فى المعركة لسنة ٤٥١ هـ‍/١٠٥٩ م وله فضل تطهير البلاد من الفرق والنحل الضالة وفضل تأسيس دولة المرابطين. وكان يلى أمرها-حين وفاته- أبو بكر بن عمر اللمتونى، فأسلمها إلى ابن عمه يوسف بن تاشفين، فاستولى على مدينة فاس وبنى مراكش سنة ٤٥٤ هـ‍/١٠٦٢ م وجعلها عاصمة للدولة، أما أبو بكر بن عمر فمضى

<<  <  ج: ص:  >  >>