عن عذابهما فى الحب وما يصطليان من ناره، على الرغم من الرقباء والوشاة، يقول:
عرفت بالسلام عين الرّقيب ... وأشارت بلحظ طرف مريب
وشكت لوعة النّوى بجفون ... أعربت عن ضمير قلب كئيب
ربّ طرف يكون أفصح من لف ... ظ وأبدى لمضمرات القلوب
فهى تلفته بلحظها الفاتن إلى الرقيب، وتشكو لوعة النّوى وحرقة الحب بعيونها، واصلة نظرها الشّزر إلى الرقيب بنظرها اللّين إليه معربة عن ضميرها وما يخفى فى صدرها من الحب له والكلف به. وهو يحدثها بنفس اللغة، فيفهم قلبها عن قلبه وضميرها عن ضميره، وتبادله بنفس اللغة أنها على الوفاء له مقيمة، يقول:
ألا حظها خوف المراقب لحظة ... فأشكو بطرفى ما بقلبى من الوجد
فتفهمه عن لحظ عينى بقلبها ... فتومى بطرف العين أنى على العهد
فهما دائما يتكلمان بلغة الطرف، لغة يصمت فيها اللسان، وتنطق القلوب بما تضمنت من الوجد ولوعاته، وهما يتغامزان بالنظرات ويتلاحظان، وكأنما لا يتكلمان بتلك اللغة الصامتة الفصيحة فقط بل يتراسلان بها ويتكاتبان مكاتبات حارة، يقول:
كتبت إلى الحبيب بكسر عينى ... كتابا ليس يقرؤه سواه
فأخبرنى تورّد وجنتيه ... وكسر جفونه أن قد قراه
ولعل فى كثرة رسوم ابن أبى طاهر لهذا الموقف ما يدل على دقة حسّه من طرف وثراء خواطره وأفكاره من طرف آخر، وفى كثير من هذه الرسوم براعة فى التصوير كما نرى فى البيت الأخير، ومن بديع تصويره قوله فى إحدى المحجّبات اللائى شغف بهن:
حجاب فإن تبدو فللدّمع جولة ... يكون له من دون رؤيتها سترا