للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأخفوا ذميما كان فيك وأظهروا ... جميلا وقالوا ذو محاسن لا تمرى (١)

وإن لم يرجّوا منك خيرا رأيتهم ... جفاء وإعراضا يولّونك الظّهرا

إذا ما رأوا ذا الوفر لاذوا بذيله ... وإن لم ينالوا من سحائبه قطرا

وإن بصروا بالمملق اهتزءوا به ... ومدّوا إليه طرفهم نظرا شزرا (٢)

وهو ينصح من يقرؤه أن لا يعوّل على الدهر ويركن إليه. فإن نعيمه كظل سحاب لا يلبث أن يزول ويمحى، وهو ملول الطبع لا يبقى على شيمة، ولا يستديم فيك ما يمنحك من يسر، وحتى العسر أيضا لا يديمه، فكم من معسر فتح عليه أبواب اليسر. ويقول إن أبناءه من الناس لا يؤمنون حتى لو تحبّبوا إليك وأظهروا المودة، فهم جميعا غادرون، ويذكر أنهم إذا رجوا منك جميلا تقربوا إليك وتظاهروا لك بالود والبر الصافى، ونفوا عيوبك وأظهروا محامدك وقالوا إن محاسنك لا تجحد، وإن لم يرجوا منك صنع جميل رأيت منهم جفاء وإعراضا عريضا، أما الغنىّ ذو الوفر فإنهم يلوذون به حتى لو لم يصيبوا منه قطرة من خير، وأما المملق الفقير فإنهم يهزءون به ويعرضون عنه مغاضبين. ويستمر ناصحا قائلا:

وإن الفتى بالنفس لا اللّبس مجده ... فما شان درّا كون أصدافه كدرا

وإن الغنى ما أورث المرء فى الورى ... محامد فى الدنيا وعلياء فى الأخرى

وإن تعوز النّعمى فجد ببشاشة ... فخير القرى أن تبذل الرّحب والبشرا

ومن للهوى ألقى القياد فقد هوى ... ولو أنه فى المجد قد وطيء النّسرا (٣)

ومن يصطنع عرفا إلى غير أهله ... فليس بلاق من جزاء ولا شكرا

ومن لا يجنّب قوله دنس الخنا ... فلا يمتعض يوما إذا سمع الهجرا (٤)

ومن يدّخر تقوى الإله وذكره ... على كل حال يحمد السّعى والذّخرا

ومن يغن بالمولى فلن يعدم الغنى ... إذا لم يجد يوما لجينا ولا نضرا (٥)

وهو يقول إن مجد الشخص بنفسه لا بلبسه وزيه، ويضرب مثلا بأن الدر أو اللؤلؤ لا تشينه كدورة أصدافه ويذكر أن الغنى الحقيقى للمرء هو الذى يكسبه المحامد فى الدنيا والعلياء فى الآخرة، وينصح قارئه إن لم يجد ما يبذل لضيوفه من القرى، فخير منه أن يلقى ضيوفه بالبشر والبشاشة والترحيب وحسن اللقاء، كما ينصحه أن لا يلقى قياده للحب ويخضع له فإنه يهوى به مهما بلغ من المجد والسؤدد، ويقول إن من يقدم صنيعا أو جميلا إلى غير أهله فلن يقدموا له جزاء ولا شكورا، ويذكر أن من لا يخلو كلامه من الألفاظ السيئة الذميمة لا يمتعض


(١) لا تمرى: لا تجحد.
(٢) النظر الشزر: النظر بمؤخر العين كناية عن الازدراء والغضب.
(٣) النسر: كوكب. وطئ النسر: كناية عن بلوغ الغاية.
(٤) الهجر: الكلام البذيء الذميم.
(٥) اللجين: الفضة. النضر: يريد الذهب.

<<  <  ج: ص:  >  >>