للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بشطرين وردا فى خطبة الحجاج المشهورة التى خطبها فى الكوفة أول قدومه واليا على العراق، وقد حمّلها كل ما استطاع من عبارات الوعيد قائلا: «إنى لأنظر إلى الدماء ترقرق بين العمائم واللّحى» ثم أنشد هذا الشطر فى وصف الحرب وشدتها: «قد شمّرت عن ساقها فشمّروا» وتلاه ببيت عاصف من الشعر:

هذا أوان الشّدّ فاشتدّى زيم ... قد لفّها الليل بسوّاق حطم

والشد: العدو. وزيم: اسم فرس أو ناقة. واللف: الجمع. والحطم: الظالم للماشية. وواضح أن ابن الهبينى كوّن بيته من الشطر السالف، ثم من الشطر الثانى فى البيت، ليصور ما سينزله بخولان من معارك مدمرة ساحقة. ويستمر فى وصف جنوده ووعيده.

إنّ نسور الوغى إذا وقعت ... بأرض قوم أطارت الرّخما (١)

ترمى بنيرانها قرى عدن ... صبحا فيمسى شرارها الحرما

أيشرب الخمر فى ذرى عدن ... والمشرفيّات بالحصيب ظما

ويلجم الدين فى محافلها ... والخيل من حولى تعلك اللّجما

وما جنوده إلا نسور أما جنود خصومه فرخم وطير مأكول، ويضيف إلى تهديد خولان تهديد عدن وأمرائها من آل زريع، وكانت تعزّ والجند وتعكر فى حوزتهم، فكان طبيعيا أن يصطدم بهم. والشاعر يزعم على لسان ابن مهدى أن أهل عدن غارقون فى الخمر إلى آذانهم، ويقول إن السيوف فى الحصيب وادى زبيد ظامئة إلى دمائهم وأن الخيل من حوله تعلك اللجم، تريد أن تهمّ بالمسير إليهم وقتالهم. وكان طبيعيا والحرب العسكرية قائمة بين ابن مهدى وولديه من جهة وعدن وأمرائها بنى زريع من جهة ثانية أن يصطدم ابن الهبينى شاعر بنى مهدى بأبى بكر العيذى شاعر الزريعيين، وأن يأخذا فى التهاجى وما يتصل به من التهديد بالقوة والقهر، وقد احتفظ العماد فى خريدته للشاعرين بنقيضتين من هذا الطّراز، أولاهما لابن الهبينى ونراه يستهلها بالإشادة بجنود على بن مهدى إمامه، يقول:

أسد إذا ما أبصرت أسد الشّرى ... ورأت حياض الموت لم تتجهجه (٢)

تعدو أمام متوّج متبلّج ... متيقّظ متوقّد متنبّه

متفقّه فى الدين لكن لم يكن ... من عند غير الله بالمتفقّه

ملك إذا اشتبه الملوك فما له ... فى ملكه وصلاحه من مشبه


(١) الرخم: طائر غزير الريش كبير الجناح طويل الذنب.
(٢) تتجهجه: ترتد.

<<  <  ج: ص:  >  >>