للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

برهان وإنذار، من صميم العرب فى النضار (١)، وأكرمها فى الفخار، مؤيدا بالمهاجرين والأنصار، منصورا بالملائكة الأبرار، صلى الله عليه وسلم، وعلى آله الأطهار، آناء الليل وأطراف النهار: أيها الناس! إن قوارع الأيام خاطبة فهل أذن لعظتها واعية، وإن فجائع الأحكام صائبة فهل نفس لعجائبها مراعية، وإن مطامع الآمال كاذبة فهل همة إلى التنزه عنها داعية، وإن طوالع الآجال واجبة فهل قدم إلى التزود من الدنيا ساعية».

وتستمر الخطبة فى الوعظ بالموت وأنه لا ينجو منه الآباء الكبار ولا الأبناء الصغار بل الجميع بترت أعمارهم الدهور الغوابر، وابتلعتهم الحفر والمقابر. ومثل السلف الخلف، فهم دائما هدف للتلف. عظة ينبغى أن يتعظ بها العاقل، فينفق ساعاته فى التقوى والعمل الصالح. وتعود الخطبة إلى الصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم وعلى آله قائلة: «اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد ما ذرّ شارق (٢)، وأومض بارق، وفاه ناطق، اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد بعدد أنفاس الخلائق، وبعدد ما فى السموات السبع الطرائق، وبعدد ما خلقت وما أنت خالق». ثم تستنزل الخطبة الرضوان على صاحب الرسول فى الغار ورفيقه فى الأسفار، معدن الجود والفخار، وسيد المهاجرين والأنصار. أول ساع إلى شرف التصديق، أبى بكر الصديق، وأيضا على جميع المؤمنين من الأولين والآخرين. والخطبة مبنية على السجع، وليس ذلك فحسب، فإن منشئها تكلف فى الأسجاع الأولى أن يلتزم فيها الراء دلالة على مقدرته البلاغية، حتى إذا انتهى من التحميد والشهادة والتمجيد لله ولرسوله وأخذ فى الوعظ بنى قوافى أسجاعه على الألف والعين والتاء، فواعية تليها مراعية وداعية وساعية، ورأى أن يضيف إلى ذلك قافية داخلية فى العبارات أو السجعات، فكلمة خاطبة فى السجعة بأعلى هذه الصفحة تقابلها فى السجعات التالية كلمات صائبة وكاذبة وواجبة، فكأن السجعات المتوالية لا تتوازن خارجيّا فى القوافى النهائية فحسب، بل تتوازن أيضا داخليا، إذ تتقابل فيها قواف تتوسط العبارات، وكأن كل قافية متوسطة تطلب قرينتها فى العبارة أو العبارات التالية.

وإذا كانت المصادر لم تسعفنا بمواعظ أو خطب دينية فى البحرين فإنه مما لا شك فيه أنه دبّجت هناك خطب ومواعظ كثيرة شأن البحرين فى ذلك شأن نجد وشأن جميع البلاد العربية فى الجزيرة ووراء الجزيرة إذ كان الوعظ دائما قائما، كما كانت الخطابة فى المساجد يوم الجمعة قائمة لأنها جزء لا يتجزأ من الصلاة وكانت فى جملتها مواعظ خالصة.


(١) النضار: الذهب والخالص من كل شئ.
(٢) الشارق: الشمس.

<<  <  ج: ص:  >  >>