للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويبكى شبابه بدموع غزار، وما يلبث القدر أن يلمّ بأبيه المعز سنة ٣٦٥ ويرثيه بمقطوعة قصيرة تخلو من اللوعة على فقده، وهو شئ طبيعى لتنحيته له عن العهد. ويتوفّى أخوه عقيل عن ثلاثين عاما، ويبكى فيه الحسين الشهيد وآباءه الفاطميين. ويبكى جارية له بكاء فيه غير قليل من اللهفة والحسرة على ما ضاع منه فيها من الجمال وحسن الصوت والغناء وطيب المدام كما يقول، ويبكى بالمثل قينة مغنية. وله فى الحسين مرثية رائعة، وهو يبكيه بكاء مؤثرا قائلا (١).

نحروه غير مذمّم ... نحر الهدايا للضّحيّه

ويصوّر موقعة كربلاء وما سفك فيها من دماء البيت العلوى، ويصف موكب النساء اللائى كنّ مع الحسين وهنّ مشهّرات على ظهور الإبل إلى يزيد بالشام ولا من يرحمهن أو يشفق عليهن، ويتوعد الأمويين بالويل والثبور والدمار، والمرثية تكتظ بالأنّات واللوعات الممضة. ونلتقى بالمسبّحى مؤرخ دولتهم المتوفى سنة ٤٢٠ ويذكر له ابن خلكان فى ترجمته مرثية لأبيه ومرثية أخرى لأم ولده، وفيها يقول (٢).

ويا ليتنى للموت قدّمت قبلها ... وإلا فليت الموت أذهبنا معا

وتكثر مراثى الشعراء لخلفاء تلك الدولة، ومن ذلك مرثية أبى المناقب عبد الباقى بن على التنوخى للمستنصر، إذ يقول (٣):

وليس ردى المستنصر اليوم كالرّدى ... ولا أمره أمر يقاس به أمر

وقد بكت الخنساء صخرا وإنه ... ليبكيه من فرط المصاب به الصّخر

وقلما مات وزير فى العصر إلا بكاه الشعراء وبالمثل القضاة وكبار الكتاب وأصحاب الوظائف العليا فى الدولة، وتلقانا من ذلك طرائف كقول ابن قادوس الدمياطى فى مرثية (٤):

يا فجعة هى فى الجنان مسرّة ... لقدومه تختال فى غرفاتها

إن كان فى الدنيا عليه مأتم ... فأراه عرس الحور فى جنّاتها

وحين قضى صلاح الدين الأيوبى على هذه الدولة لم يبكها المصريون ولا ودّعوها، لأنهم لم يكونوا راضين عن عقيدتها الإسماعيلية المفرطة فى الغلو، وكان حكمها قد فسد فسادا شديدا على


(١) الديوان ص ٤٥٥ وما بعدها.
(٢) ابن خلكان ٤/ ٣٧٨
(٣) النجوم الزاهرة ٥/ ٢٣
(٤) الخريدة (قسم شعراء مصر) ١/ ٢٣١.

<<  <  ج: ص:  >  >>