للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نحو ما مرّ بنا فى غير هذا الموضع، وتكفل بذلك شاعر من شيعتها هو عمارة اليمنى الذى ترجمنا له فى الجزء السابق من هذا التاريخ للأدب العربى. ولعل بطلا لم يبكه الشعراء كما بكوا صلاح الدين محطم الصليبيين حين انتقل من دار الفناء إلى دار البقاء، وقد أقيمت عليه المآتم فى غير بلد من البلدان العربية، ورثاه كثير من الشعراء، من ذلك قول العماد الأصبهانى فى رثائه (١):

لا تحسبوه مات شخصا واحدا ... قد عمّ كلّ العالمين مماته

لو كان فى عصر النبىّ لأنزلت ... فى ذكره من ذكره آياته

يا راعيا للدين حين تمكنت ... من كل قلب مؤمن روعاته

فعلى صلاح الدين يوسف دائما ... رضوان ربّ العرش بل صلواته

وهى مرثية طويلة فى مائتين وثلاثين بيتا، صوّر فيها جهاده فى الدين واستبساله فى حروب الصليبيين حتى استخلص منهم بيت المقدس وأكثر بلدانهم وحصونهم فى الشام ما حقّا لهم محقا ذريعا. ويتوفّى صلاح الدين ويخلفه ابنه العزيز سنة ٥٨٩ كما مر بنا فى غير هذا الموضع ويتوفى سنة ٥٩٥ ويخلفه أخوه الأفضل وما يلبث عمّه العادل أن يستولى منه على عرش مصر، ويعمل على تعفية آثار العزيز ويبكى القاضى الفاضل قصره وقصر أبيه بمثل قوله مخاطبا القصر (٢).

وكم قد حججنا فيك للمجد كعبة ... وكم قد أقمنا فيك للحجّ موسما

وكم قد وجدنا فيك رأفة راحة ... تقبّل إذ تعطى حطيما وزمزما

ولابن سناء الملك مراث مختلفة فى أصدقائه وأقربائه وأهله، وله ندب رائع فى أبيه، تنهمر فيه دموعه، وتنسكب، وهو يذكر تقواه ونسكه ذكرى ممضة، وما يزال يندبه ويبكيه قائلا (٣):

ويا أرضه إن ينكسف بك بدره ... فما برحت فى الأرض تكسف أقمار

وبنفس اللوعة والحرقة لموت الأب يلتاع لموت الأم وتظلم الدنيا فى عينه، ويحس كأنما كان فى فردوس معها من فراديس الجنان وأخرج منه إلى غير أوبة يقول (٤):

لهف نفسى عليك ياما بقلبى ... منك يا طول حسرتى وعنائى

كنت فى جنّة فأخرجت منها ... واستعاد العطاء ربّ العطاء


(١) النجوم الزاهرة ٦/ ٦٠ وانظر خاتمة كتابة البرق الشامى.
(٢) ديوان القاضى الفاضل (نشر بدوى) ص ٣٤.
(٣) ديوان ابن سناء الملك (طبعة حيدر آباد) ص ٣٢٣.
(٤) الديوان ص ٣ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>