للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نسوا الشريعة حتى ... تغامزوا بالمعاصى

يا ويحهم لو أعدّوا ... لهول يوم القصاص

وهو يقول إن المجتمع فسد، والناس فيه جميعا أفاع ويتمنى منهم الخلاص، إذ نسوا الشريعة وأوامر الدين وإنهم ليتغامزون على ارتكاب المعاصى فى غير خوف من الله ولا من يوم القيامة يوم يؤخذ العاصون بالنواصى والأقدام ويقول: يا ويحهم لقد كان حريا بهم أن يعدّوا ليوم القصاص، يوم يسأل كل شخص عما قدمت يداه. ويبدو أن ظاهرا من التصوف كان قد دخل صقلية الإسلامية فى زمنه، فأناس يلبسون مرقّعات الصوف، وأناس يغنون على صفوف الذكر، وآخرون يصيحون ويرقصون، فقال (١):

ليس التصوف لبس الصّوف ترقعه ... ولا بكاؤك إن غنّى المغنونا

ولا صياح ولا رقص ولا طرب ... ولا تغاش كأن قد صرت مجنونا

بل التصوف أن تصفو بلا كدر ... وتتبع الحق والقرآن والدّينا

وأن ترى خائفا لله ذا ندم ... على ذنوبك طول الدهر محزونا

فالتصوف ليس لبس مرقعات الصوف والبكاء حين سماع المغنين والرقص والطرب وأن يقع المتصوف مغشيا عليه أو كالمغشى كأنه صار مجنونا، بل التصوف الصفاء الدينى واتباع الكتاب والسنة والخوف من الله والندم على الذنوب. ومن الوعاظ قبل العهد النورمانى عمر بن خلف بن مكى، وسنفرده بكلمة، ويقول ابن القطاع (٢):

تنبّه أيها الرجل النّئوم ... فقد نجمت بعارضك النجوم

وقد أبدى ضياء الصبح عما ... أجنّ ظلامه الليل البهيم (٣)

فلا تغررك يا مغرور دنيا ... غرور لا يدوم بها نعيم (٤)

ولا تخبط بمعوجّ غموض ... فقد وضح الطريق المستقيم

وهو يقول تنبه أيها الرجل الذى اعتاد النوم عن أداء فروض دينه وعبادة ربه، فقد ظهرت نجوم الشيب بعارضيك. وأبدى ضياء الرشاد عما أجنّ ليل الشباب البهيم من ظلام الغى، فلا تغتر يا مغرور بدنيا خادعة لا يدوم بها نعيم ولا تخبط-كالأعمى-فى طريق معوج غامض، فقد وضح أمام عينيك الطريق المستقيم. ونلم بعمر بن خلف بن مكى وماله من مواعظ.


(١) الخريدة ١/ ٧٢
(٢) الخريدة ١/ ٥٥
(٣) البهيم: المعتم
(٤) غرور: خادعة

<<  <  ج: ص:  >  >>