للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يا ربّ صفحا وغفرانا ومعذرة ... لمذنب كثرت منه المعاذير

يبكيه إجرامه طورا ويضحكه ... رجاؤه فهو محزون ومسرور

وهو يطلب من الله الصفح والعفو والغفران لما ارتكب من الذنوب، ويفكر فى أمره فيراه يبكى لكثرة ذنوبه ويضحك لرجائه لربه، وكأنه يجمع بين نقيضين، فهو دائما محزون لمعاصيه ومسرور لما يأمل عند الله من العفو والمغفرة، ولأبى حفص عمر بن حسن بن الطبرق، وكان من أهل الدين والورع والعفاف (١):

سيلقى العبد ما كسبت يداه ... ويقرأ فى الصحيفة ما جناه

ويسأل عن ذنوب سالفات ... فيبقى حائرا فيما دهاه

فيا ذا الجهل مالك والتمادى ... ونار الله تحرق من عصاه

فعوّل فى الأمور على كريم ... توحّد فى الجلالة فى علاه

وأمّل عفوه وافزع إليه ... وليس يخيب مخلوق رجاه

وهو يقول إن كل إنسان سيحاسب يوم القيامة وتعرض عليه صحيفة حاملة إليه ما كسبت يداه فى دنياه، ويسأل عما ارتكب من ذنوب وآثام فيرتج عليه، ويحتار فيما اقترفه، وواجب أن لا يتمادى الإنسان فى غيه ويذكر الجحيم المعدة للعاصين، ولا ييأس من رحمة ربه الكريم قابل الذنب والتوب الذى يعفو عن عباده الآثمين، ولا يخيب مخلوق رجاه. ويقول أبو عبد الله بن الطوبى (٢):

يحبّ بنو آدم ربّهم ... ولكنهم بعد يعصونه

وإبليس قد شربوا بغضه ... وهم بعد ذاك يطيعونه

فهذا التنافى فما بالهم ... يرون الضلال ويأتونه

وهو يعجب لمن حوله، فهم يعلنون حبهم لربهم ويعصونه، كما يعلنون بغضهم لإبليس ويطيعونه، وإنه لتناقض ما بعده تناقض، فما بالهم يرون الضلال وانحرافه بهم عن الطريق المستقيم ويأتونه. ويقول فى مقطوعة ثانية (٣):

لو قلت لى أىّ شئ ... تهوى؟ لقلت خلاصى

الناس طرّا أفاع ... فلات حين مناص (٤)


(١) الخريدة ١/ ١٠٦
(٢) الخريدة ١/ ٦٤
(٣) الخريدة ١/ ٧٢
(٤) مناص: ملجأ

<<  <  ج: ص:  >  >>