شكّت فى إخلاصه لها، فدبرت مؤامرة ضده سنة ٦٥٥ فمات مقتولا ولم تلبث أن لقيت نفس المصير، وتولى زمام الحكم السلطان المنصور على بن أيبك حتى سنة ٦٥٧ وكان قطز أتابكا له فقبض عليه واستولى على مقاليد الحكم. وكان التتار قد استولوا فى العام السابق على بغداد ونكلوا بها تنكيلا فظيعا ومضت زحوفهم بل سيولهم تتقدم إلى الشام وأخذت تهبط إلى الجنوب فعهد قطز إلى مملوك عظيم من مماليك السلطان نجم الدين أيوب هو بيبرس فى قيادة طليعة الجيش حتى إذا انتهى إلى عين جالوت بين بيسان ونابلس سنة ٦٥٨ أصدر أمره إلى بيبرس أن يتابع سيره تجاه التتار وأخفى بقية الجيش بين الأحراش والأشجار المحيطة بعين جالوت. والتحم بيبرس بالتتار وأظهر بسالة نادرة فى حربهم، وتبعه الجيش يستبسل بقيادة قطز، منزلا بالتتار ضربات قاصمة حتى اضطروا إلى الفرار مولّين وجوههم إلى الشمال لا يلوون، تاركين وراءهم ما لا يكاد يحصى من الغنائم والأسرى. وتعدّ هذه المعركة من المعارك الفاصلة فى التاريخ، إذ صدّت التتار نهائيا عن مصر والشام، وقد ثبّتت أقدام المماليك لا فى حكم مصر وحدها، بل لقد انضوت الشام جميعها تحت لوائهم، ويقتسم شرفها بحقّ قطز وبيبرس. ولبيبرس فيها الشرف الأكبر، إذ كان على طليعة الجيش، واستطاع أن يقتحم بطليعته صفوف التتار، ويزلزل أقدامهم ويحدث الفوضى فى عساكرهم. حتى إذا تم هذا النصر المبين ظن أن قطز سيكافئه عليه مكافأة كبيرة ولم يلبث أن طلب منه نيابة حلب، ولكن قطز لقصر نظره بخل عليه بها، فكان طبيعيا أن يدبر مؤامرة ضده فى أثناء قفوله إلى مصر، وواتته الفرصة فقتله، وانتخبه أمراء المماليك وقوادهم سلطانا على الديار المصرية والشامية، وتلقب باسم الملك الظاهر.
وكان بيبرس سلطانا حازما عالى الهمة شديد البأس بعيد النظر يحسن تدبير الملك وسياسته، فرأى أن انتصار عين جالوت وحده لا يكفى فى تثبيت سلطانه، وانتهز ظهور أمير عباسى بدمشق فرّ من التتار فاستدعاه إلى القاهرة، حتى إذا تأكد نسبه إلى بنى العباس بايعه هو والناس بالخلافة فى حفاوة بالغة، ولم يلبث هذا الخليفة العباسى أن قلّده سلطنة مصر والبلاد الشامية وغيرها مما يظلّه سلطانه. وبذلك ثبّت عرشه ووطّد سلطانه ضد أى محاولة قد يحاولها أحد الأيوبيين لاستعادة ملك آبائه. وظلت الخلافة العباسية قائمة بمصر طوال حكم المماليك إلى أن أخذ السلطان سليم الأول العثمانى آخر خلفائها معه إلى القسطنطينية، وأخذ سلاطين آل عثمان يتقلدون الخلافة على المسلمين إلى أن أزالها مصطفى كمال أتاتورك كما هو معروف. وأتاح وجود هذه الخلافة العباسية الاسمية بالقاهرة للظاهر بيبرس ومن خلفه من المماليك أن يعدّو أنفسهم حماة الخلافة والإسلام، وأفادوا