و «الفلّ» كلّل وجه الأرض فانعطفت ... أغصانه بالتهانى تنثر الزّهرا
والطير من فرحها فى دوحها صدحت ... بكل عود عليه لا ترى وترا
تقول فى صدحها: دام الهنا أبدا ... على العرايس كى يقضوا به الوطرا
هذا وعقل عروسى كان أصغر من ... عقلى ولكن حوت فى عمرها كبرا
فى السنّ قد طعنت ما ضرّ لو طعنت ... بالسّنّ من رمح اوسيف إذا بترا
فى وجهها نمش فى أذنها طرش ... فى عينها عمش للجفن قد سترا
يا حسن قامتها العوجا إذا خطرت ... يوما وقد سبسبت فى جيدها شعرا
تظلّ تهتف بى: حسنا حظيت بها ... أوّاه لو حاسها موت لها قبرا
وهو فى أوائل الأبيات يجعل السعد رفيقا له كما يجعل الطبيعة ترقص طربا لزفافه على عروسه، فالأشجار تنثر أزهارها فرحا والطير تصدح على أعوادها داعية للعروسين بدوام الهنا أبدا. ونفاجأ بعد ذلك بمفارقة منطقية شديدة، فالعروس عجوز شمطاء صمّاء فى وجهها نمش وفى عينيها عمش وقد حنى قامتها الهرم. ومع كل هذا القبح تظل تهتف به أن يحمد الله على حظوته بها، ويتمنى لوطعنت بسيف أو حازها الموت ودفنت فى التراب إلى غير مآب.
وعلى نحو هزل ابن سودون فى تصويره لحفل قرانه نراه يهزل فى رثائه لأمه هزلا، يبعث على الابتسام بل على الضحك والإغراق فيه، يقول:
لموت أمىّ أرى الأحزان تحنينى ... فطالما لحستنى لحس تحنين
وطالما دلّعتنى حال تربيتى ... خوفا على خاطرى كى لا تبكّينى
أقول: «مم مم» تجى بالأكل تطعمنى ... أقول: «أمبو» تجى بالماء تسقينى
إن صحت فى ليلة «وأوأ» لأسهرها ... تقول «هوهو» بهزّ كى تننّينى
كم كحّلتنى ولى فى جبهتى جعلت ... «صوصو بنيلى» وكم كانت تحنيّنى
ومن فقيهى إن أهرب ورام أبى ... مسكى وبعثى له كانت تخبيّنى
وزغردت فى طهورى فرحة وغدت ... تنثّر الملح من فوقى وترقينى
وخلّفتنى يتيما ابن أربعة ... وأربعين سنينا فى حسابينى
والمرثية طويلة اقتصرنا منها على هذه الأبيات وكلها على هذا النحو عدوان على ما نألف فى الرثاء عامة، إذ بدلا من أن يحمل كل بيت صرخة ألم أو دمعة حزن تتحول المرثية كلها هزلا