ودعابة. وكأنما ينظمها فى عيد من أعياد أمه فهو يذكّرها بأيام طفولته وكيف كان يقول لها «مم» فتأتى له بالطعام «وأمبو» فتأتى له بالماء، وكيف كان يبكى على صدرها وهى تهزه فى حنان، كما يذكّرها بأيام صباه، وكيف كانت تدلّى من شعره تعويذة على جبهته، وكيف كانت تخبئه حين يهرب من الكتّاب. ويذكّرها بيوم ختانه وزغار يدها فيه وكيف كانت تنثر فوقه الملح بركة، وترقيه من شر كل ما يؤذيه. وكل هذه مفارقة شديدة للرثاء وموقف الموت الوقور الحزين، فإذا ابن سودون يهزل فنضحك ونتمادى معه فى الضحك. وقد جاء فى المرثية ببعض كلمات الأطفال، وهو يكثر من لغتهم فى هزله كقوله:
ولما أن كبرت بحمد ربّى ... وصار لمنتهى عقلى ابتداء
والكلمات كلها من لغة الأطفال قبل نطقهم بالكلام، ومعنى كلمة دح فى اللهجة المصرية العامية حسنا كلمة كخ قبيح ولا تفعل. والحق أن ابن سودون كان جعبة هزل وفكاهة، وقد بنى فكاهته على المفارقة المنطقية فنحس دائما بعدوانه على منطقنا ببلاهته، ونشعر كأنما الأشياء من حولنا تهوى من أبراج عالية، هى أبراج المنطق والعقل الواعى، فنضحك ونسترسل فى الضحك.