أو بعبارة أخرى عن العرض، وهو عنده جسم. وبذلك كان يعرف كيف يتحول بالغزل إلى ضروب من الوهم المسرف فى الخيال، وكذلك كان يصنع بكل ما يمسه عقله ووجدانه من أغراض الشعر كقوله يصف احتساءه للخمر من بعض الدّنان:
ما زلت آخذ روح الزّقّ فى لطف ... وأستبيح دما من غير مجروح
حتى انثنيت ولى روحان فى جسدى ... والزّقّ مطرح جسم بلا روح
وهو هنا أيضا ينظم بعقله الاعتزالى وما كان يذهب إليه من أن الروح جسم لطيف مشابك للبدن بأجزائه تشابك المائية للورد، وهى صاحبة القوة والاستطاعة والحياة والمشيئة. وله فى تلميذه الجاحظ عمرو بن بحر الذى كان يبادله إعجابا بإعجاب وودّا بود:
حبى لعمرو جوهر ثابت ... وحبّه لى عرض زائل
به جهاتى الستّ مشغولة ... وهو إلى غيرى بها مائل
وواضح تشبثه بلغة المتكلمين وآرائهم فى الجوهر والعرض والجهات الست.
ولم يكن هناك غرض ينظم فيه إلا ويدخل فيه لغة الاعتزال وما يدفع إليه من التجريد البعيد الذى يرفع الإنسان من عالم الحس إلى عالم الوهم والخيال كقوله يمدح الأمين:
ألا يا خير من رأت العيون ... نظيرك لا يحسّ ولا يكون
وفضلك لا يحدّ ولا يجارى ... ولا تحوى حيازته الظنون
خلقت بلا مشاكلة لشئ ... فأنت الفوق والثقلان دون
كأن الملك لم يك قبل شيئا ... إلى أن قام بالملك الأمين
وهى مبالغة مسرفة، وكأن النظام كان أحد من ثبّتوا مثل هذه المبالغة فى المديح، وهى مبالغة نفذت إليه من إغراقه فى الوهم واستيحائه لغة المتكلمين. وقد