للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رقّ فلو بزّت سرابيله ... علّقه الجوّ من اللّطف (١)

يجرحه اللّحظ بتكراره ... ويشتكى الإيماء بالطّرف

وكلمة اللطف فى الأبيات لا تفهم بدقة إلا إذا عرفنا أن النظام كان يرى أن روح الإنسان جسم لطيف وما الجسد إلا آلتها وما الإنسان إلا الجسم اللطيف الذى يحتويه. وفى البيت الأخير مبالغة واضحة يستتم بها مبالغة البيت الذى يسبقه وقد عاد إلى توضيح هذه المبالغة ودعم صورتها، فقال:

توهّمه طرفى فآلم خدّه ... فكان مكان الوهم من نظرى أثر

وصافحه قلبى فآلم كفّه ... فمن صفح قلبى فى أنامله عقر (٢)

ومرّ بقلبى خاطرا فجرحته ... ولم أر خلقا قطّ يجرحه الفكر

يمرّ فمن لين وحسن تعطّف ... يقال به سكر وليس به سكر

وهو وهم بعيد لا يقع فى عقل شخص إلا أن يكون من المعتزلة الذين يبعدون فى تصور الأشياء، بل إلا أن يكون من عقل النظام الذى كان يؤمن بأن الأعراض كامنة فى الجوهر وأن حركات الإنسان كامنة فى نفسه وأن حركات النفس أجسام مستترة، وبذلك نفذ إلى هذا التجسيم الغريب فى الأبيات.

ويستلهم رأيه فى أن النور سمائى علوى، يعلو فوق الأشياء ولا يعلو شئ عليه، فيقول:

أفرغ من نور سمائىّ ... مصوّر فى جسم إنسىّ

وافتقر الحسن إلى حسنه ... فجلّ عن تحديد كيفىّ

أبدعه الخالق واختاره ... من مازج الأنوار علوىّ

فكلّ من أغرق فى وصفه ... أصبح منسوبا إلى العىّ

وتختلط فى الأبيات فكرته عن النور بفكرته عن الأجسام وأنها أعراض متجمعة. ويتضح فيها لحن المعتزلة أو لحنه هو إذ يتحدث عن الكيف وتحديده


(١) بزت: نضيت وخلعت.
(٢) العقر: الجرح.

<<  <  ج: ص:  >  >>