للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بغداد بعد صدوره من الحج سنة ٣٩٠ وأن له مصنفا يسمى المنتخل جمع فيه مختارات شعرية. ويروى الثعالبى له شعرا قاله فى نكبة، ويبدو أنه حبس فى عهد الغزنويين حين استولوا على إمارة السامانيين. وقد أنشد الثعالبى طائفة كبيرة من أشعاره منها نبذ فى الغزل من مثل قوله:

لقد راعنى بدر الدّجى بصدوده ... ووكّل أجفانى برعى كواكبه

فيا جزعى مهلا عساه يعود لى ... ويا كبدى صبرا على ما كواك به

وواضح أنه قصد إلى الجناس قصدا فى قافيتى البيتين، فكلمه «كواكبه» فى البيت الأول لا تنقص عنها شيئا كلمه «كواك به». وهذا هو البديع الذى يشير إليه مادحه. إذ شغف الإيرانيون أو قل كثير منهم بصنعة الجناس، حتى ليروى الثعالبى فى يتيمته أن شاعرا يسمى أبا حفص عمر بن على المطوّعى ألف فى أجناس التجنيس كتابا، ويقول الميكالى:

أنكرت من أدمعى ... تترى سواكبها

سلى جفونى هل ... أبكى سواك بها

والبيتان خفيفان فى موسيقاهما، ولكنه أثقلهما بهذا الجناس المتعمد فى القافيتين:

«سواكبها» و «سواك بها». وقد يجعل الجناس بين كلمتين فى البيت الواحد كقوله:

وأصداغه يلسعننى كالعقارب ... وألحاظه يفعلن فعل العقار بى

وقوله:

ألا ليت الجواب يكون خيرا ... فيشفى ما أحاط من الجوى بى

والعقارب الأولى فى البيت الأول: جمع عقرب، والعقار فى نهاية البيت: الخمر، والجوى فى نهاية البيت الثانى: حرقة الوجد ولوعته، وقد أضاف إليها كلمة «بى» ليتم له الجناس بين آخر البيت وكلمة الجواب فى أوائله، ويقول:

ظبى يحار البرق فى بريقه ... غنيت عن إبريقه بريقه

فلم أزل أرشف من رحيقه ... حتى شفيت القلب من حريقه

وقد أدخل على كلمة «ريقه» وهو رضاب الفم الباء ليتم له الجناس بين نهايتى الشطرين المتقابلين، والجناس فى البيت الثانى أكثر قبولا إذ جانس بين «رحيقه» و «حريقه» لتداخل الصورة معه ولأن الجناس ليس تاما، فالتكلف فيه يبدو أقل قليلا، ويقول:

شافه كفّى رشأ ... بقبلة ما شفت

فقلت إذ فبّلها ... يا ليت كفىّ شفتى

<<  <  ج: ص:  >  >>