بينهما وبينه من ألفة ومودة وأخوة ألا يشربا ماء الفرات النمير، بل يشربا معه صبوحه المسكر المحبب إلى نفسه. وكان أبو عيسى بن الرشيد يدفع غلامه «يسرا» إلى معابثته فكان ينظم فيه بعض غزله، وكذلك كان المتوكل يدفع غلامه «شفيعا» إلى العبث به، وكان وضئ الوجه مثل يسر فكان ينظم فيه أيضا بعض الغزل.
وواضح أنه غزل كان يراد به إلى الهزل وإضحاك المتوكل وأبى عيسى. وله فى الغزل عامة شعر كثير من مثل قوله:
وصف البدر حسن وجهك حتى ... خلت أنى-وما أراك-أراكا
وإذا ما تنفّس النّرجس الغ ... ضّ توهّمته نسيم شذاكا
خدع للمنى تعلّلنى في ... ك بإشراق ذا وبهجة ذاكا
لأدومنّ يا حبيبى على الو ... دّ لهذا وذاك إذ حكياكا
والقطعة رائعة التصوير وتسيل عذوبة، وهى عذوبة تشيع فى كثير من أشعاره الغزلية والخمرية، وهى طبيعية لشاعر كان يعيش فى قصور الحلفاء ومجالسهم، ويسمع فى كل ليلة أوتار العيدان والطنابير والمعازف من كل لون، مما جعل أذنه الموسيقية ترهف إرهافا شديدا، فإذا كثير من شعره يتحول ألحانا وأنغاما خالصة على شاكلة قوله:
عالم بحبّيه ... مطرق من التّيه
يوسف الجمال وفر ... عون فى تعدّيه
وهو غير مكترث ... للذى ألاقيه
لا وحقّ ما أنا من ... عطفه أرجّيه
ما الحياة نافعة ... لى على تأبّيه
النعيم يشغله ... والجمال يطغيه
والقطعة من وزن عباسى حديث هو وزن المقتضب، وهى تطير عن الفم بخفة. ولم يقف تأثير الغناء وآلات الطرب لعصره فى شعره عند الملاءمة بين