للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذكره كثيرا فى أشعاره. ومثله دير العذارى وكان قريبا من بغداد، وواضح من اسمه أنه كان ينزله جوار متبتلات عذارى، ونزل به عبيد الله بن عبد الله بن طاهر حاكم بغداد، فأقام به يومين واستطابه وشرب فيه، وله مقطوعة يصوّر فيها ما لعتد حول الدّير من بساتين فاتنة وعكوفه على الشرب فيه بمثل قوله (١):

ورياض كأنهن برود ... كلّ يوم لهن صبغ جديد

وكأن الشّقيق فيها عشيق ... وكأن البهار صبّ عميد (٢)

وكأن الثمار والورق الخض‍ ... ر ثياب من تحتهن نهود

فاسقنيها راحا تريح من اله‍ ... مّ وتبدى سرورنا وتعيد

وانتهز فرصة اللذاذات فى دي‍ ... ر العذارى فعلّها لا تعود

وكان كثيرون لا يغلون فى المجون ولا يغرقون فى اللذات، وإنما يلمون بالخمر من حين إلى حين. وقد يكون فى حياتهم ما دفعهم إلى ذلك، إما سخط شديد على الحياة السياسية، وإما شك واستهانة بكل شئ، وإما محنة نزلت بهم أو إحساس بضرب من ضروب الإخفاق. وبذلك نستطيع أن نعلل إقبال بعض المتكلمين على تناولها أحيانا أو قل بعبارة أدق على وصفها، إذ ربما وصفوها مجاراة للشعراء فى عصرهم، على نحو ما نجد عند أبى العباس الناشئ إذ يقول (٣):

ومدامة يخفى النهار لنورها ... وتذلّ أكناف الدّجى لضيائها

صبّت فأحدق نورها بزجاجها ... فكأنها جعلت إناء إنائها

وتكاد إن مزجت لرقّة لونها ... تمتاز عند مزاجها من مائها

صفراء تضحى الشمس إن قيست بها ... فى ضوئها كالليل فى أضوائها

وإذا تصفحت الهواء رأيته ... كدر الأديمة عند حسن صفائها

لا شئ أعجب من تولّد برئها ... من سقمها ودوائها من دائها


(١) الديارات ص ١٠٩.
(٢) الشقيق: ورد أحمر. والبهار: زهر أصفر، والكناية واضحة.
(٣) زهر الآداب ٢/ ١٤٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>