للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم كتب بعد ذلك بالأسلوب الفصيح. وزعم بروكلمان أن الفصحى كانت لغة فنية قائمة فوق اللهجات وإن غذتها جميعا (١).

وعلى ضوء من رأى نالينو حاول بلاشير أن يقيم حدودا لهذه اللهجة الأدبية معتمدا على القبائل التى كان يأخذ عنها اللغويون والنحاة مادتهم، وهى تميم وقيس وأسد وهذيل وعليا هوازن وبعض العشائر الكنانية والطائية، وجعل هذه الحدود محصورة بين خطين يمتد أحدهما على مسافة بضعة أميال من جنوبى مكة متجها شرقا إلى الخليج العربى فى البحرين ويمتد ثانيهما فى الشمال من ضواحى يثرب إلى شمالى الحيرة. وذهب يزعم أن الفصحى مشتقة من الشعر الجاهلى والقرآن معا وأن القرآن لا يستند على اللهجة المكية وإنما على لغة هذا الشعر، وهى لغة تولدت من لهجة محلية ارتفعت إلى مرتبة لغة أدبية. ولم يبين لنا هذه اللهجة التى تسامت على أخواتها ولا أسباب هذا التسامى، ومضى يشكك فى أن تكون لهجة قريش هى التى حققت لنفسها هذا التسامى (٢).

وواضح أن كل هذه الآراء تعتمد على الفرض والحدس، وقد أراد بها أصحابها أن يناقضوا أشد المناقضة ما استقر فى نفوس أسلافنا من أن هذه اللهجة الفصحى إنما هى لهجة قريش التى نزل بها الذكر الحكيم، يقول أبو نصر الفارابى: «كانت قريش أجود العرب انتفاء للأفصح من الألفاظ وأسهلها على اللسان عند النطق وأحسنها مسموعا وأبينها إبانة عما فى النفس (٣)» ويقول أحمد بن فارس نقلا عن إسماعيل بن أبى عبيد الله: «أجمع علماؤنا بكلام العرب والرواة لأشعارهم والعلماء بلغاتهم وأيامهم ومحالّهم أن قريشا أفصح العرب ألسنة وأصفاهم لغة، وذلك أن الله جل ثناؤه اختارهم من جميع العرب واصطفاهم واختار منهم نبىّ الرحمة محمدا صلّى الله عليه وسلم فجعل قريشا قطّان حرمه وجيران بيته الحرام، وولاته، فكانت وفود العرب من حجّاجها وغيرهم يفدون إلى مكة للحج، ويتحاكمون إلى قريش فى أمورهم. . وكانت قريش مع فصاحتها وحسن لغاتها ورقة ألسنتها إذا أتتهم الوفود


(١) تاريخ الأدب العربى لبروكلمان (طبع دار المعارف) ١/ ٤٢.
(٢) انظر تاريخ الأدب العربى لبلاشير ١/ ٧٧ وما بعدها.
(٣) المزهر للسيوطى ١/ ٢١١.

<<  <  ج: ص:  >  >>