للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ممن فقأ عين بعير فى الجاهلية، وكان الرجل إذا ملك ألف بعير فقأ عين فحلها (١)».

وكان بشامة من أحزم الناس رأيا فكان قومه يستشيرونه ويصدرون عن رأيه، ولم يكن له ولد، فلما حضرته الوفاة جعل يقسم ماله فى أهل بيته وأعطى زهيرا نصيبا منه، ويروى أنه قال له إنى أعطيتك ما هو أفضل من المال، فقال زهير: ما هو؟ فقال له: شعرى (٢)، وهو لم يرث عنه شعره وماله فقط، بل ورث عنه أيضا خلقه الكريم. وفى أخباره أنه تزوج من امرأتين: أم أوفى وهى التى يذكرها كثيرا فى شعره، ويظهر أن المعيشة لم تستقم بينهما، فطلقها بعد أن ولدت منه أولادا ماتوا جميعا. والثانية التى تزوجها من بعدها هى كبشة بنت عمار الغطفانية، وهى أم أولاده: كعب وبجير وسالم، ومات سالم فى حياته ورثاه ببعض شعره (٣).

وهو يتحدث فى شعره طويلا عن حروب داحس والغبراء مشيدا بهرم بن سنان والحارث بن عوف سيدى بنى مرة اللذين حقنا دماء عبس وذبيان بعد أن طال عليهما الأمد فى تلك الحروب، إذ تحمّلا ديات القتلى، ويقال إنها كانت ثلاثة آلاف بعير أدّياها فى ثلاث سنين (٤). واعتدّ زهير بهذه المنة الجليلة فأشاد بها فى معلقته، وظل طوال حياته يمدح هرما ويمجده، وهرم يغدق عليه (٥). وبذلك أعطى كل منهما صاحبه خير ما يملك، وقد ذهب ما أعطاه هرم لزهير مع الزمن، أما ما أعطاه زهير هرما فخلد على الأيام. ومن طريف ما يروى فى هذا الصدد أن هرما «حلف أن لا يمدحه زهير إلا أعطاه ولا يسأله إلا أعطاه ولا يسلم عليه إلا أعطاه: عبدا أو وليدة أو فرسا، فاستحيا زهير مما كان يقبل منه، فكان إذا رآه فى ملأ قال: عموا صباحا غير هرم، وخيركم استثنيت (٦)». ونراه يشيد بحصن بن حذيفة سيد بنى فزارة الغطفانيين، وخاصة بحروبه مع أحلافه بنى أسد ضد النعمان بن الحارث الغسانى وما أنزلوا بجيوشه من هزائم منكرة (٧). وليس فى ديوانه وراء حروب حصن وحروب داحس والغبراء إشارة إلى غارات سوى ما كان من غارة الحارث بن ورقاء الأسدى فى جماعة من قومه على عشيرته، وقد أخذ فيما أخذ


(١) ابن سلام ص ٥٦٣.
(٢) أغانى (طبع دار الكتب) ١٠/ ٣١٢
(٣) أغانى ١٠/ ٣١٣.
(٤) أغانى ١٠/ ٢٩٧.
(٥) أغانى ١٠/ ٣٠٥.
(٦) أغانى: ١٠/ ٣٠٥.
(٧) انظر ديوان زهير (طبعة دار الكتب) ص ١٤٣ ومختار الشعر الجاهلى للسقا ص ٢٤٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>