للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أشرنا إليها وردّدها مرارا وتكرارا، وقد ذكر ابن سعيد من تصانيفه كتاب «لمح الملح (١)» وأورد من نثره فيه قوله:

«جرت العادة فى الغطاس، إعمال الكاس والطاس، وهذه الآلة-إذا فقدت الراح- بمنزلة أجسام عدمت الأرواح، فداو بإحيائها قلبا لى قريحا، وإذا كانت عازر فكن مسيحا».

والغطاس عيد من أعياد القبط بمصر كان يحتفل بليلته النصارى والمسلمون فى الحادى عشر من شهر طوبة أشد أشهر الشتاء برودة، وكانوا يكثرون فيه من الملاهى فى الزوارق بالنيل وعلى شاطئيه كما كانوا يكثرون من إيقاد المشاعل والفوانيس مع الاستماع إلى المغنين والمغنيات. وواضح أن ابن الصيرفى يشير إلى ما كان يتخذ فى هذا العيد من اللهو وشرب الخمر فى أوعيتها من الكاس والطاس، ويقول إن هذه الأوعية إن لم تملأ بالخمر أو الراح كانت أجساما بدون أرواح. وكأنه يطلب خمرا من صديق، فيقول له: داو بإحيائها قلبا لى جريحا، يطلب منه أن يبث فى دنانه الحياة التى عدمتها بفقدانها الراح. ويقول إنها أصبحت مثل الميت المعروف باسم عازر الذى أحياه المسيح، فأحيها وابعثها من جديد. ويذكر ابن سعيد من رسائل ابن الصيرفى الأدبية التى صنفها للأفضل الجمالى رسالة بعنوان «منائح القرائح» وينقل من صدرها قوله:

«أولى ما تقرّب به إلى الله تعالى الإكثار من تحميده، والإقرار بربوبيته وتوحيده، والصلاة على نبيه محمد الذى عضده بتأييده، وخصّه من الشرف بمالا سبيل إلى تحديده (٢)، وعلى آله الممنوحين من الفضل ما يعجز الواصف عن تعديده، ثم التوسل إلى ملوك كل وقت بشكر نعمتهم ومواصلة خدمتهم، وشهر خصائصهم التى امتازوا بها عن العباد، وذكر مناقبهم التى سارت فى الأقطار ونقّبت (٣) فى البلاد، والاجتهاد فيما نفقت (٤) بشريف مقاماتهم سوقه، والاعتماد على ما ظهر سموقه (٥) فى البلاغة وبسوقه، ولا خلاف أن سلطان هذا العصر، والمخصوص من الفضائل بمالا يدخل تحت الحصر، مالكنا السيد الأجلّ الأفضل أمير الجيوش سيف الإسلام، ناصر الإمام» يقول ابن سعيد: وأخذ فى الاطناب على الأفضل. ويذكر أنه قال من تتمة تقدمته لتلك الرسالة:


(١) فى المغرب (قسم القاهرة): ملح الملح.
(٢) فى المغرب: تجديده
(٣) نقبت: ذهبت وشاعت.
(٤) نفق: راج.
(٥) سموقه وبسوقه: ارتفاعه

<<  <  ج: ص:  >  >>