يعلو على الفهم العادى، ويشيد ابن الصيرفى على لسان الآمر بنشر أبيه المستعلى للعدل بين الزعية، ويصور فداحة الرزء به والفجيعة فيه ثم يقول:
«وقد كان الإمام المستعلى بالله-قدّس الله روحه-عند نقلته، جعل لى عقد الخلافة من بعده، وأودعنى ما حازه من أبيه عن جده، وعهد إلىّ أن أخلفه فى العالم، وأجرى الكافة فى العدل والإحسان على منهجه المتعالم، وأطلعنى من العلوم على السر المكنون، وأفضى إلىّ من الحكمة بالغامض المصون، وأوصانى بالعطف على البرية، والعمل فيهم بسيرته المرضيّة، بما جبلنى (١) الله عليه من الفضل، وخصّنى به من إيثار العدل، وإننى-فيما استرعيته-سالك منهاجه، عامل بموجب الشرف الذى عصب الله لى تاجه».
والسجل أو العهد كله بهذه اللغة الصافية المسجوعة، لا غرابة فى كلمة ولا نبو فى لفظ، بل ينساب الكلام فى فيض من البراعة البيانية، وفيه يقرر ابن الصيرفى على لسان الآمر أن الخلافة انتقلت إليه بالوراثة عن آبائه، وأن أباه عهد إليه بها، فهو يخلفه عن عهد أو وصية، وعند الفاطميين وجميع الشيعة أن الرسول أوصى بالخلافة لعلى وأنها تنتقل بالوصية من الأب إلى الابن.
ويقول ابن الصيرفى على لسان الآمر إن الله أطلعه من العلوم على السر المكنون ومن الحكمة على الغامض المصون، مشيرا بذلك إلى عقيدة الفاطميين فى أن الأئمة يتميزون من الناس بعلم باطنى يتوارثه إمام بعد إمام متنقلا من جيل إلى جيل، وهو عندهم علم لا يشمل أمور الدين وحقائقه فحسب، بل أيضا يتّسع ليشمل حوادث العالم حتى يوم القيامة، وهو ما يفرض لهم على الناس طاعة واجبة لا تحدها حدود، طاعة بدون قيد أو شرط.
وتتوالى كتب ابن الصيرفى فى الجزء الثامن من صبح الأعشى يكتبها فى وصف خطابة الآمر وصلاته فى جمع شهر رمضان وفى عيد الفطر وعيد النّحر أو الأضحى وفى وفاء النيل. ولا نراه يعود إلى مثل الإشارات السالفة للعقيدة الفاطمية الإسماعيلية، ويبدو أنه لم يكن غاليا فى العقيدة أو لعل القلقشندى حذف مما دوّنه من كتبه ورسائله غلوه. ولم يكن كاتبا بليغا يكتب الرسائل الديوانية فحسب، بل كان أيضا يكتب رسائل أدبية طريفة، وقد أشار إليها ابن سعيد فى المغرب حين قال:«له تصانيف مشهورة صغار ظراف» ويبدو أنه كان قد صنّفها للوزير الأفضل بن بدر الجمالى صاحب الأيادى السابغة عليه، وله فيه إشادات مختلفة سجلها فى رسائله الديوانية التى