يصيب البلاد بالخراب والوبال بينما البويهيون سحائب غيث منهلة. تروى من يعيشون فى بقاعهم القريبة وفى بقاع السامانيين البعيدة وغير السامانيين. وبحكم تشيعه كان غاضبا على الخلفاء العباسيين السنيين، غير أنه اكتفى فى هجائهم بالإشارة إلى صنيعهم السيئ فى توزيع الألقاب على السلاطين والوزراء والقواد ومن يستحق ومن لا يستحق، يقول:
مالى رأيت بنى العبّاس قد فتحوا ... من الكنى ومن الألقاب أبوابا
قلّ الدراهم فى كفّى خليفتنا ... هذا فأنفق فى الأقوام ألقابا
ولا شك فى أنها تدل على ما أصاب المجتمع فى إيران وغير إيران من تدهور، وكان يغيظ الخوارزمى الشيعى المتعصب لتشيعه الغالى فى تعصبه أن يرى أحيانا فقيها يلقن ابنه مبادئ أهل السنة الذين يسميهم المتشيعة ناصبية فيدّعى عليه أنه من القائلين بالجبر ويهتف.
مجبر صيّر ابنه ناصبيّا ... مجبرا مثله وتلك عجيبه
والمجبر الذى يقول بالجبر وأن الإنسان لا حرية له فى فعله ولا اختيار وأنه مسير كريشة فى يد القدر يوجهه كيف شاء. وأسخطه طاهر بن شار الطبرستانى، فتولاه بهجاء مقذع من مثل قوله:
لله فى كل ما قضاه ... لطائف تحتها بدائع
سبحان من يطعم ابن شار ... ويترك الكلب وهو جائع
وهو إقذاع مرير، فقد جعله دون الكلب وأقلّ منه، وحتى يد الصاحب بن عباد الذى طالما أسبغ عليه من نواله، بل لقد جعل له راتبا معلوما، كما قدمنا، يصله فى نيسابور، نجده يخدشها بل يعضّها ويسيل الدم منها بأظفار هجائه، ويبدو أنه لم يرض منه يوما لقاء له، فإذا هو يذمه ذمّا قبيحا قائلا:
لا تحمدنّ ابن عباد وإن هطلت ... يداه بالجود حتى أخجل الديما
فإنها خطرات من وساوسه ... يعطى ويمنع لا بخلا ولا كرما
فعطاياه التى طبّقت الشعراء فى إيران وغير إيران إنما هى وساوس وهواجس تلمّ به أحيانا. وهو كفران شديد للمعروف، وكأنها طبيعة للخوارزمى أن لا يستطيع احتمال الصبر وأن يلجأ سريعا إلى قلمه وشعره، ويحيله سوط عذاب ينزل به حتى على ولىّ نعمته. ونراه يتابع سخطه على من يريد هجاءهم حتى بعد وفاتهم كقوله فى رثاء صديق، حدث بينهما ما يوجب شيئا من العتاب، فإذا هو يضخم عتابه ويحيله هجاء قائلا:
بكيت عليك بالعين التى لم ... تزل من سوء فعلك بى تجود